بعد لحظة السقوط لم يجد بن علي أصدقاءه وحلفاءه الطبيعيين من الغربيين إلى جانبه، ظل يحلق في السماء لساعات طويلة كانت كالدهر المديد بالنسبة إليه إلى أن وجد مأوى على أرض الحرمين، وبالرغم أن السعودية لم تكن راعية نظام الديكتاتور إلا أنها قبلت لأسباب إنسانية أن تأويه، وحسب مقربين من الديوان الملكي يكون أهل الحل والعقد بالسعودية قد اشترطوا على الديكتاتور الهارب ألا يقوم بأي نشاط سياسي، وأي تصريح لوسائل الإعلام·· ودائما حسب هؤلاء المقربين أن القرار السعودي بإيواء الديكتاتور الهارب كان بمثابة اللجوء السياسي، إلا أن الأمر جعل السعودية في وضع حرج نظرا لمطالبة أغلب التونسيين بمحاسبة الديكتاتور على جرائمه التي اقترفها نظامه طيلة فترة حكمه المديدة التي دامت حوالي 32 سنة، ولرفضهم أن يكون بلد الحرمين الذي يشكل بالنسبة إليهم معنى القداسة الدينية هو من يحمي الديكتاتور الهارب من العقاب الذي يستحقه حتى يكون عبرة لكل الطغاة الذين لم يحملوا في قلوبهم ليوم واحد ذرة من الإحترام لكرامة شعوبهم·· والسؤال الذي لابد أن يطرح، هو كيف سيتصرف أصحاب الحل والعقد في السعودية إذا ما طالبهم الشعب التونسي في ظل العهد الجديد بإعادة بن علي لمحاكمته؟! ثم ألا يكون ما أقدمت عليه السعودية هو فتح الباب على نفسها أمام متاعب كانت في غنى عنها؟! ربما يرد البعض أن ما أقدمت عليه السعودية يدخل ضمن التقاليد الإنسانية البحتة التي جعلتها تأوي عددا لا بأس به من الحكام الذين تم الإنقلاب عليهم في بلدانهم وهربوا إليها طالبين النجاة·· لكن في الحالات السابقة كان الحكام اللاجئون إلى السعودية ضحية انقلابات وإقالات، أما في حالة بن علي، فإن هذه الأخيرة نتجت مباشرة عن ثورة شعبية عميقة أدت إلى هروب الديكتاتورية وهي حالة تعد سابقة تاريخية في حياة الأنظمة والشعوب العربية على حد سواء··· وإننا لنتساءل كيف رضيت السعودية أن توفر المأوى للدكتاتور الهارب وهي التي صرحت باختيار الشعب التونسي، ولم يقم العقيد معمر القذافي بإيوائه وهو الذي عبر عن ألمه لسقوط صديقه بن علي وعن استخفافه بتضحيات التونسيين الأخيرة في سبيل استرجاع كرامتهم وحريتهم كاملة؟!·