إن كانت المفارقة بين الانتفاضة الجزائرية والثورة التونسية كبيرة جدا، حيث سرعان ما انطلقت المواجهات هنا في الجزائر نحو الفراغ، بينما تحوّلت الانتفاضة في تونس إلى ثورة. ومن طرف مَن؟ النخبة، الإطارات والمثقفين. السؤال الجوهري الذي يطرح هنا: أين المثقفين الجزائريين؟ هذه هي أجوبة عالم الاجتماع هواري عدي، الذي تتبع عن كثب انتفاضة ''الزيت''. يرافع عدي هواري لنقد ذاتي حتمي، حيث يجب في صيغ تلخص محاكمة قاسية حول وضعية ووظيفة المثقف الجزائري طيلة فترة الأزمة. في نقد ذي اتجاهين يتوجه نحو اتهام السلطة في تفكيك المؤسسات المكونة للنخبة تدريجيا، تكريسا للسيطرة الفعلية للدولة والفضاءات العمومية للتعبير، كما يتجه نحو محاكمة التعامي الإيديولوجي للمثقف في مواجهة ''أقرانه''. وفي رده عن إرث أركون، على هامش الندوة التي نشطها في وهران، يقفز الأستاذ عدي حول مسألة غياب المثقفين خلال الانتفاضات الأخيرة ''يقال إن لا وجود للجامعيين ولا للجامعات: لكن النظام هو الذي لا يسمح للجامعة في الوجود فعليا''. بالنسبة لهواري عدي، فإنه ''لا يمكن للجامعة أن تتجدد في ظرف خمس سنوات: هذه السياسة تتطلب عشرين أو ثلاثين سنة لذلك''. ويعتبر المتحدث نفسه الذي بدا متأثرا بالأحداث الأخيرة، فإن النخبة الجزائرية مسؤولة بقدر مسؤولية السلطة التي تقيدهم. لقد كرر المثقفون الجزائريون نفس خطأ أحداث أكتوبر 88 ببقائهم بعيدا عن الأحداث: ''إن النخبة المثقفة أو الجامعيين تحديدا قد فوجئت بظهور وتقدم الموجة الإسلاموية في سنوات الثمانينيات لأن هذه النخب المثقفة لم تكن تعرف مجتمعها قدر المعرفة. لم نكمل مهمتنا في البحث الاجتماعي في المجتمع على أحسن وجه. بل كنا نتجادل في الشخصيات المثيرة للجدل. كنا نتباحث في الوجوه المثيرة للجدل. لم نكن نعرف مجتمعنا، لذلك كنا نتحدث عن - كنا ننتهج لغة الأقدام السوداء حيال الأحداث، لأننا لم نكن نعرف مجتمعنا. لم يكن يسمح لنا بدراسته''. تبقى هذه الوظيفة في التأطير والنقد مستعصية في ظل نظام سياسي مغلق: وبالنسبة للانتفاضة يمكن ترجمتها أنها وليدة نظام غامض مع دوائر متنافسة على السلطة... نجد أنفسنا عاجزين أمام الإشاعات والمضاربات''. وبالنسبة للمتخصص في علم الاجتماع، هناك رؤية ل ''خوصصة'' الدولة في الجزائر، النظام لا يتحدث، والفاعلين فيه لا يتحدثون. هناك ذهنية تتجه نحو إدارة الدولة كقضية خاصة بأصحاب القرار ولا تعني بتاتا الشعب. لقد عدنا إلى الوراء، نحو القرن السابع عشر (...) لا يريد المسؤولون في النظام التكلم ويتعاملون مع الشعب باحتقار تام مع فكرة أن الحكم في هذه البلاد قضية لا تعنينا بل قضيتهم الشخصية. نحن في القرن السابع عشر، في عصر النهضة الأوروبية، حيث النظام عندنا يجسد جيدا نموذج الكنيسة الكاثوليكية والمونارشية الحاكمة، حيث الجنرالات يؤدون دور الأحبار وبوتفليقة هو الملك. نحن أمام تكريس لممارسة الأبوة. وحين يتحدث الصحفي أو الجامعي، تكون ردة فعلهم (أصحاب القرار) نفسها: ''أي حق يوكل له التكلم؟''. لماذا؟ لأن الأمر لا يعنيه. لا دخل له في الأعمال.