بمجرد أن يتحصل الطالب على شهادة البكالوريا، تتضاعف أمانيه وطموحاته وتزيد عزيمته في المضي قدما بأحلامه، ولكن سرعان ما تجهض هذه الأماني والأحلام وتتحوّل إلى خيبة كبرى عندما تصطدم بصخرة واقع الجامعة الجزائرية المتردي· لهذا الغرض، نزلت ''الجزائر نيروز'' إلى الشارع الجامعي للقاء الطلبة، وعادت بهذه الدردشة التي يعبّر من خلالها الطلبة عن رأيهم بصراحة حول الجامعة الجزائرية التي حلموا بها وتلك التي أصابتهم بالصدمة· عند ولوج أي معهد، كلية أو إقامة جامعية··· في الجزائر، فإن أول ما تلاحظه هو عدم وجود أية إشارة ولو صغيرة لحياة ثقافية أو فكرية، كل القاعات المخصصة للمطالعة -إن وجدت- شبه فارغة، ولا تصادف في الفضاءات المختلفة بالجامعات أو الإقامات الجامعية من يحمل كتابا أو يطالع مجلة علمية، ولا أثر لنقاشات من شأنها أن تنمي التواصل الفكري وتشكل وعيا حقيقيا لجيل مقبل على دخول معترك الحياة، وهو في مرحلة إعداد لذلك، لكنه بعيد بشكل ملفت عن العوالم الفكرية، الأدبية والسياسية··· وغيرها من الأمور التي تدخل في صقل جانب أساسي من الشخصية· في زيارة للإقامة الجامعية ''طالب عبد الرحمان,''3 التي اخترناها كنموذج عن الجامعة الجزائرية، حاولنا البحث بين الطلبة عن الأسباب التي خلقت هذا الجو الراكد، البعيد كليا عن المحيط الصحي الذي تتمازج فيه الآراء الحرة بكل موضوعية وتتكاتف الجهود من أجل خلق نقاشات بناءة من شأنها فتح آفاق الطلبة الفكرية· كان من الصعب أن نجد بين الطلبة من يجيبنا عن هذه التساؤلات، والأمر الملفت أن الكثيرين منهم استقبلوا الأسئلة التي طرحناها من أجل إثارة النقاش بالكثير من السخرية والتهكم، كما علّق أحدهم أنه كان لابد من النقاش في مسائل تهم الطالب أكثر كخدمات الهاتف المجانية الأفضل لدى متعاملي الهاتف النقال، أو ساعة فتح المطعم، أو الأمور العاطفية وجميلات بن عكنون··· وغيرها· الإحباط صناعة جامعية بامتياز وفي رحلة بحثنا عن من يهتم بأمر حساس ودقيق كالثقافة والمستقبل العلمي، صادفنا عبد المجيد، طالب في كلية الحقوق الذي قال إن ''هذا الواقع يعكس التذمر واليأس العميق الذي وصل إليه الطالب الجامعي، الذي لم يجد ما كان ينتظره في جامعة لا يستفيد منها إلا أبناء أصحاب ''الشكارة''، أما البسطاء فلا تمنحهم حقوقهم في التكوين وتحصيل العلم، لذلك يصاب الطلبة البسطاء بالإحباط من واقع معروف فيه مسبقا من سيحصل على العلامة الأفضل، فما يدفع الطالب البسيط لبذل مجهودات أكبر وسهر الليالي والتعب من أجل تكوين أفضل وتحصيل ثقافة أكبر لينتهي به الأمر بعد نهاية الدراسة بالتوجه إلى عالم البطالة؟''· يوميات الطالب المرهقة تجعل التفكير في الثقافة ترفا حكم عبد المجيد القاسي على الجامعة الذي فيه الكثير من الاتهام والسوداوية، دفعنا للبحث عن مزيد من عن آراء الطلبة حول الموضوع، وكان منصور خليل وجهنا المميز بطول قامته وميله إلى النحول والمتألق في قميص وردي فاتح وسروال رمادي، وهو طالب بمعهد التاريخ، يقول منصور، إن ''السبب الحقيقي في عزوف الطلبة عن النشاطات العلمية سواء على مستوى الجامعات أو الإقامة الجامعية هي الأوضاع التي يعاني منها الطلبة ومشاكل الإيواء والنقل والمنح الزهيدة التي تقدم من طرف الدولة، وهو ما يساهم في عدم تقارب الطلبة وفقدهم القدرة على التواصل الفكري والاهتمام بالجانب الثقافي، لأن المشاكل اليومية تقضي على رغبتهم في الانفتاح وتقلّص سعيهم نحو كل شيء له قيمة معنوية، في ظل تحوّل تفكيرهم إلى قضاء أمورهم العالقة مع مختلف مصالح الخدمات الجامعية والجري وراء مصالحهم الشخصية، متناسين الدور المنوط بهم مستقبلا بصفتهم نخبة مهمتها التفكير وتبادل الآراء، والمساهمة في تنمية البلد من كل النواحي''، وأكد الطالب منصور خليل تخوفه من هذا الأمر وتفاقمه، ''الطلبة المقيمون ليسوا مستعدين للخروج من هذا الوضع لأنهم لا يملكون التصميم والإرادة ولا حتى التفكير في ذلك''· أيها الطلبة·· احذروا العزلة والجهوية إذا كان الطالب السابق أجاب بحسرة عن أسئلتنا وبقدر كبير من روح المسؤولية والوعي، فهو من بين القلة التي وجدنا لديها الاهتمام بالأمر، لأن معظم الطلبة اعتبروا أن نقاشا كهذا لا يعنيهم أبدا، ومسألة الثقافة والنقاشات السياسية والفكرية فيه الكثير من إضاعة الوقت· والعكس لمسناه في نظر الطالب كمال جوزي، صاحب البدلة الرياضية الداكنة والجسم الممتلئ الذي صادفناه عند بوابة قاعة المطالعة على مستوى الإقامة الجامعية ''طالب عبد الرحمان ,''3 فقد كانت رؤيته للأمور تحمل الكثير من التفسيرات السياسية، حيث قال بأنه ''من الصعب أن ينسق الطلبة فيما بينهم حول قضية كهذه، لأن هناك فروقا في القناعات والانتماءات السياسية وحتى المذهبية، فلا مجال لأن يكون هناك تفاهم أو تنسيق بين الطلبة خدمة لأهدافهم وطموحاتهم وخدمة للفكر أيضا، كما أن الجهوية تطغى في الأحياء الجامعية التي لا تشاهد فيها سوى جماعات تنتمي لمناطق معينة من الوطن تقيم مع بعضها منعزلة ومنطوية لا تستطيع أن تتقارب أو تتفاعل فيما بينها، وهذا الأمر موجود في المجتمع الجزائري بشكل عام، وهو أمر خطير ولديه نتائج وخيمة''، ويضيف الطالب بأسف كبير: ''من الصعب أن نكون مثل جامعات أوروبا وأمريكا، فنخبتنا منغلقة ومعقدة ومعزولة ومنقسمة ولا تقبل الآخر إطلاقا''· الثقافة مرت من هنا فاجأنا أمر خطير في رحلة إثارة هذا النقاش بين الطلبة، فعلى عكس القلة القليلة التي تجاوبت مع هذه الانشغالات بموضوعية ووعي، وناقشت مشكل غياب النقاشات الفكرية والثقافية عن الساحة الجامعية بعمق، لم يكن رأي ممثلي بعض المنظمات الطلابية مشابها، فقد انتقدوا النقاش، مؤكدين أن ''الطلبة ينشطون ويتقاسمون الأفكار في إطار نشاطات ترعاها المنظمات الطلابية، تحت غطاء قانوني ومشروع''، وكأن قراءة كتاب وتبادله بين الطلبة، أو مشاهدة فيلم أو الاستماع إلى مفكر ما والنقاش حول توجهاته بات أمرا غير مشروع وبحاجة إلى تصريح قانوني؟