اجتمعت مع اثنين من خبراء التحول الديمقراطي في أمريكا اللاتينية وفي أوروبا الشرقية كي أناقش معهما البدائل المتاحة للثائرين فى مصر· وكانت نقطة البداية فى النقاش هو مقال مهم كتبه أستاذ علوم سياسية (Larry Diamond) درس طوال حياته عملية التحول الديمقراطى في دول العالم المختلفة، وسيعرض هذا المقال إلى ما انتهينا إليه· ولا بد من توضيح أننا في مصر لسنا بدعا من الشعوب والدول؛ فمنذ منتصف السبعينيات وحتى الآن هناك ستون دولة نجحت في التحول من مجتمعات تسلطية إلى مجتمعات ديمقراطية· وهو ما يترك لنا عددا من الدروس التي ينبغي تأملها: أولا توحيد قوى المعارضة الديمقراطية: فمن المفيد التذكير بأن اتحاد المعارضة قوة وتشرذمها هو أول طوق نجاة للنظم التسلطية بمنطق ''فرّق تسد'' إن لم تكن هي بالفعل متفرقة· نجاح المعارضة يرتبط عادة إما بوجود شخص موضع إجماع وطني (مثل سعد زغلول) أو مؤسسة قوية (سواء كان الجيش في حالة ثورة ,1952 أو حركة تضامن في حالة بولندا)· إن نجاح التحول الديمقراطي في الفلبين (1986)، وفي نيكاراغوا (1990)، وفي أوكرانيا (2004) كان يرجع بالأساس لوجود شخص عليه إجماع بين قوى المعارضة الديمقراطية· وهو ما تفتقده مصر بشدة· مهما كانت الاختلافات الإيديولوجية فلا بد أن يتقدم الصفوف شخص واحد يتحالف الجميع خلفه حتى ولو بصفة مؤقتة ويتم تفويضه خلال مرحلة انتقالية وإلا فإن تشرذم المعارضة يكون كالسرطان الذي ينهش في بنيتها ومن ثم سيقضي عليها· كما أن اتحاد المعارضة ضمان لأن لا تقع البلاد في الفوضى مثلما حدث في زائير بعد أن غادر موبوتو سيكوسيكو السلطة في 1997 بعد 30 سنة من الحكم التسلطي· الإجراء العملي الأول: لا بد أن تجتمع جميع قوى المعارضة سويا لاختيار شخص واحد كي يكون هو ''الرئيس الانتقالي التوافقي'' أو ربما حتى يكون مرشح المعارضة في الانتخابات القادمة (لاسيما إن فشلوا في تحقيق الخطوة الإجرائية التالية)· وبعد أن تجتمع المعارضة على هذا الشخص فلا بد أن يحظى بدعم الشباب الثائر، حتى وإن لم يكن هذا شرطا ضروريا، لأن في استقلاليتهم وعدم مركزيتهم عنصري قوة وضغط هائل على النظام الحاكم· ثانيا تأكد من رحيل النظام السابق: إن رحيل أشخاص القيادات التسلطية التى ظلت في السلطة لفترة طويلة لا يعني حقيقة أن النظام التسلطي قد انهار؛ فآلة التسلط عادة ما تكون راسخة في الأجهزة القمعية والسياسية والإعلامية والمالية· فلا ننسى أن سقوط تشاوسيسكو في رومانيا وقتله أتى بمستبد فاسد من بعده (أيين اليشكو) الذي أوقف عملية التحول الديمقراطي حتى تم التخلص منه لاحقا· وهو ما حدث بنفس القدر في جورجيا وكازاخستان· إذن رحيل رأس الحزب الوطني لا يعني التحول الديمقراطي، لأن هرم التسلط أقوى وأكبر من الشخص القابع فوق رأسه· الإجراء العملي الثاني: لا يكون التركيز فقط على أن الرئيس مبارك سيترك مصر في نهاية مدته أو قبلها، ولكن ضمان ألا تكون ترتيبات الحكم (بما في ذلك الانتخابات ترشيحا وإدارة وإعلانا للنتيجة) موضع سيطرة الحزب الوطني والذي يعني أن من سيأتي بعده سيسير على نهجه· ثالثا طمأنة المؤسسة العسكرية: لا يمكن التخلص من التأثير السياسي للمؤسسة العسكرية دفعة واحدة إلا إذا كنا بصدد هزيمة عسكرية تؤدي إلى انهيار المؤسسة العسكرية تماما (مثلما كان الحال في اليونان بعد حرب ,1974 وفي الأرجنتين بعد حرب فوكلاند 1982)· إذن، لا بد من تأمين (ومن ثم تحييد) المؤسسات العسكرية بحيث تضمن أن تسمح بالتداول السلمي بأقل قدر ممكن من المقاومة ومن العنف· وهو ما يعود بنا إلى الخطوة السابقة بحتمية وجود قيادة موحدة تدخل في هذا التفاوض معها· وبمرور الوقت، فإن المؤسسة العسكرية ستبدأ في التخلي عن دورها السياسي لصالح المؤسسات المدنية المنتخبة مثلما حدث في البرازيل في الثمانينيات وفي شيلي في التسعينيات· وإذا شعرت المؤسسة العسكرية أنها موضع تهديد في مكتسباتها أو ملاحقة القائمين عليها فإن عملية التحول الديمقراطي نفسها ستكون إما عنيفة أو فاشلة أو الاثنين معا· الإجراء العملي الثالث: لا بد من التأكيد على احترام المؤسسة العسكرية والتعهد بتأمين مكتسبات قياداتها تحت الشعار المرفوع حاليا (الجيش والشعب إيد واحدة)، مع إقناعها صراحة بألا يدير الحزب الوطني عملية صياغة التعديلات الدستورية لافتقادها ثقة قوى المعارضة والرأي العام· رابعا إعادة صياغة قواعد العملية السياسية بالتدريج: من المفيد التفرقة بين إصلاحات قصيرة المدى وأخرى طويلة المدى· قد يكون من المفيد الاكتفاء مبدئيا بإصلاحات سياسية جزئية دستورية وقانونية بحيث يتم الانتقال المبدئي للسلطة، ثم يتم بعد ذلك إعادة صياغة دستور جديد· ففي إسبانيا بدأ التحول الديمقراطي من خلال قانون واحد للإصلاح السياسي خلال عام من رحيل الجنرال فرانكو في عام ,1976 لكن تم تعديل الدستور بعد أن تم تداول السلطة في أول انتخابات· وهو ما حدث كذلك في بولندا في عام 1992 حيث تمت إصلاحات أولية أتت بليخ فاونسا إلى السلطة في عام 1992 ثم الدستور الجديد الذي تم إقراره في عام .1997 الإجراء العملي الرابع: البدء بإصلاحات سريعة تضمن انتخابات حرة نزيهة تكون شاملة لأكبر عدد ممكن من الفاعلين السياسيين من خلال فكرة التمثيل النسبي أي ''القائمة النسبية'' بما يضمن أن يمثل الجميع وتقل فرص الحزب الحاكم السابق (إن استمر ولم تنجح قوى المعارضة في حله) في أن يعود للسيطرة على الأغلبية مرة أخرى· خامسا لا ديمقراطية لأعداء الديمقراطية: ليس معنى شمول الانتخابات لأكبر عدد من الفاعلين السياسيين أن تختفي القيود تماما بحيث تستخدم الديمقراطية كأداة لشن حرب على الديمقراطية نفسها تحت شعارات دينية مثلا· كما أنه لا بد من السماح بمناصري النظام السابق غير المتورطين في أعمال عنف وجرائم فساد صارخة بأن يكون لهم تمثيلهم إن كان لهم تأييد حقيقي بين الرأي العام· الإجراء العملي الخامس: لا بد من التأكيد على مدنية الدولة المصرية وعلى التزامها الصارم بالشفافية ومحاربة التزوير والفساد في قوانينها الانتقالية وفي تعديلاتها الدستورية (وقطعا في دستورها الجديد) حتى يتم سد جميع ثغرات التسلط مرة أخرى· سادسا الضغط الشعبي مهم: لا مجال للحديث عن تحول ديمقراطي إن كانت تكلفة العودة إلى النظام التسلطي السابق أقل من تكلفة بقاء الوضع على ما هو عليه· بعبارة أخرى، لا بد أن تتم عملية التحول السلمي تحت ضغط شعبي دائم حتى تفي السلطة الحاكمة بالتزاماتها وتعلم أنها ليست في سعة من الانتهازية بحيث تغامر بالتلاعب أو التنصل من التزاماتها· الإجراء العملي السادس: لا بد من استمرار التظاهر والمطالبة بأعلى سقف ممكن من المطالب بغض النظر عن مدى قدرة المتظاهرين على تحقيق جميع مطالبهم· أخيرا النظام في مصر لم ينهر (بسبب دعم المؤسسة العسكرية له) ولا يريد أن يعترف بذلك بل إنه يشن ''ثورة مضادة''، وبالتالي خروجه يقتضي استمرار التظاهر وازدياد وتيرته وأعداد المنخرطين فيه من ناحية، مع التفاوض على الخروج الآمن للرئيس دون أن تترك الأمور للحزب الحاكم لصياغة شروط وقواعد الخروج من المأزق الحالي·