يبدو أن الخلاف بين المثقفين الجزائريين عاد إلى الواجهة على خلفية قرار محافظ المعرض الدولي للكتاب بإقصاء مصر من المشاركة؛ فمنهم من يرى أن المشاركة المصرية ضرورية ومن يرى العكس من ذلك. الحديث عن المشاركة المصرية في الصالون الدولي للكتاب شائق وغائر وبالغ التعقيد، قد يستغرق كتابا بأكمله والاسترسال فيه ضرب من المجازفة بسبب المصالح المتضاربة، ولكني عندما تصفحت جرائد يوم السبت 82 أوت، أصابني الذهول عندما قرأت ما جاء على لسان الشيخ بوعمران رئيس المجلس الاسلامي الأعلى حيث انتقد إبعاد الناشرين المصريين من المشاركة في المعرض الدولي الجزائري قائلا ''إذا اتُخذ مثل هذا القرار فعلا فلن يكون في مصلحة الثقافة بشكل عام والقراء على وجه الخصوص''. أولا مع احترامي الشديد للشيخ بوعمران على انفتاحه الثقافي وشجاعته على الرد السريع حول هذا الموضوع الشائك، ثانيا هل نسي سيدي الشيخ السب والشتم الذي طال الجزائريين شعبا ودولة بكل رموزها وتاريخها والتي جاءت على لسان الكتّاب والمثقفين المصريين، فهم أول من سارع بالدعوة إلى مقاطعة الجزائر ثقافيا وفنيا. وقد يقول البعض إنه من الماضي والعلاقات بين الشعبين أكبر من ذلك بكثير، ويتناسى هؤلاء أن الجانب المصري بمسؤوليه ومؤسساته لم يتقدم باسم هذه العلاقات بأي اعتذار رسمي وأنا مع قلب الصفحة، لكن ليس مع النسيان لأن الجرح كان عميقا إن لم نقل مع سبق الإصرار والترصد. وإذا نظرنا الى ما تنتجه مصر من كتب، فإن أغلبها لا يصلح للقارئ الجزائري وإن كان هناك عدد قليل من الجزائريين المهتمين بهذا النوع من الكتب بإمكانهم الاطلاع عليها بوسائل أخرى، وأنصحهم أن لا يطلعوا عليها بما في ذلك الكتب التي توزع كثيرا حيث قال عنها الدكتور طلعت شاهين المصري طبعا ''كتب السحر والأحجبة توزع كثيرا ...ولكن ما نحتاجه كمجتمع الكتب الجادة التي تحمل فكرة ...''، وعن اتحاد الناشرين المصريين يقول ''لم أنضمّ إليه لأنه اتحاد غير فعال ولا يساهم في حل مشكلات النشر في مصر''. وعن المركز القومي للترجمة يقول "في السنوات الأخيرة تحول المركز القومي للترجمة إلى هلال أحمر يساعد المحتاجين وأبناء السبيل وما ينتجه هذا المركز من الكتب المترجمة توضع في المخازن''. وإذا حاولنا معرفة آخر الإصدارات المصرية، فإننا نجد أنها كتب ليس فيها جديد العصر، ولسنا في أشد الحاجة اليها في الجزائر منها ''الجمهورية المظلومة''، ''الاسلام وعلمانية الدولة''، ''التشغيل وحقوق العمل'' ، ''زهرة البستان''، ''الفلاح الفصيح''، ''قبل أن يعرف البحر اسمه'' ، ''أمير الخواتم''،''الأعمال الكاملة ليوسف ادريس''، ''موسوعة تصحيح المفاهيم'' و 01 كتب جديدة للدكتور أحمد خالد توفيق وغيرها من الاصدارات المتشابهة فهل الجزائر محتاجة الى هذا النوع من الكتب سيدي الشيخ؟ . في الحقيقة يعود التخلف العربي في ميدان النشر إلى عوامل داخلية وخارجية، أما العوامل الخارجية فهي معروفة منذ إنشاء الكيان الصهيوني والغرب يعمل كل ما في وسعه لبقاء الدول العربية تحت جحيم الفقر والتخلف والأمية ويستعمل في ذلك ظغوطا على الأنظمة العربية ويتدخل في مقرراتها وبرامجها التعليمية ويفرض في كثير من الأحيان برامج ومقررات غربية يمولها بنفسه بواسطة مدارسه وجامعاته وبعثاته الثقافية المنتشرة في كثير من الدول العربية، والهدف من كل هذا الإبقاء على قوة إسرائيل في المنطقة من جميع النواحي بما فيها الفكرية، هذا من جهة ومن جهة أخرى حتى يظل الغرب متحكما في خيرات البلاد ورقاب العباد، وقد نجح في ذلك بطريقة جيدة والدليل على ذلك أن نسبة الأمية في الوطن العربي هي الأعلى في العالم. فكيف تصدر كتب ذات أهمية في ظل هذا الوضع؟. نحن لا نريد أن ننقلب على إنتاج الماضي بل نريد فكرا جديدا متطورا، وهذا لن نتحصل عليه من مصر التي اختفى دورها العربي في السنوات الأخيرة بسبب علاقتها المتينة مع إسرائيل وحصارها لغزة وانتهاء دورها الثقافي على المستوى العربي، أما العوامل الداخلية فهي متنوعة ولكنها تنحصر في غياب الديمقراطية وقمع الحريات الفردية والجماعية والفكرية واحتواء المثقفين بالاغراءات تارة والتهديدات تارة أخرى. وحتى لو فرضنا أن مصر ستشارك في المعرض الدولي للكتاب فإنني متأكد أن الإقبال على دور نشرها سيكون ضعيفا جدا، لأن الشعوب لا تنسى. لعل كل هذه العوامل والأسباب مجتمعة مصرية وجزائرية هي التي أوصلتني الى القول بأننا سنرتاح جدا من الناحية النفسية عندما يغيب الناشرون المصريون عن المعرض الدولي للكتاب، كما ارتحنا في رمضان هذه السنة عندما غابت المسلسلات المصرية عن التلفزيون الجزائري. لذلك لابد من أن نعيد النظر في علاقتنا مع مصر، الأمر الذي يتطلب بالتأكيد تغيير الكثير من الثوابت الموجودة بيننا. في الأخير أقول للدكتور المحترم رئيس المجلس الاسلامي الأعلى: لقد تسرعت في إعطاء رأيك في الموضوع وأفتيت في أمر ليس من شأن المجلس الإسلامي الاعلى ولا أدبياته. ------------------------------------------------------------------------ المجلس الإسلامي الأعلى يوضح نشرت يومية ''المستقبل'' في الصفحة 42 من عددها الصادر بتاريخ 02 رمضان 1341 ه / 03 أوت 0102م مقالا عنوانه ''عندما يفتي ''الشيخ'' بوعمران في الناشر المصري''. تطرق فيه صاحبه الى القضية التي شدت مؤخرا اهتمام الناشرين الجزائريين خاصة وجمهور القراء عامة وهي قرار إبعاد الناشرين المصريين من المشاركة في المعرض الدولي المقبل للكتاب في الجزائر. ونظرا لما جاء في هذا المقال فإن المجلس الإسلامي الأعلى يرى من الضروري موافاتكم بالتوضيحات التالية: 1 ينطلق موقف المجلس الإسلامي الأعلى من اهتمامه بالكتاب العربي خاصة وبالثقافة العربية الإسلامية عامة وليس دفاعا عن ناشرين بعينهم أيا كانوا. 2 يبدو أن صاحب المقال يجهل أو يتجاهل لا ندري، أن الاهتمام بالثقافة يدخل من بين مهام المجلس. 3 استطرد صاحب المقال فدخل في السياسة الشرق أوسطية للدول العربية، الأمر الذي لا محل له هنا، وقد سبق للمجلس كغيره من المؤسسات الوطنية أن ندّد بموقف وسائل الإعلام المصرية التي تحاملت على الجزائر. 4 المجلس الإسلامي الأعلى همّه الوحيد هو الدفاع عن الكتاب لا أقل ولا أكثر، أما السياسة فلها أصحابها الذين ليسوا في حاجة إلى وصي أو مستشار. 5 يسجل المجلس نصيحة صاحب المقال ويردّ له التحية ويحثه على العمل بها أولا، انطلاق من الآية الكريمة ''أتأمرون الناس بالبرّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون'' (البقرة 44)، وفي الختام كلمة المجلس هي رأي وليس إفتاء، أما الإفتاء فهو موضوع آخر. عن رئيس المجلس الإسلامي الأعلى وبتفويض منه مسؤول خلية الاتصال الأستاذ محمد شنقيطي