العقيد معمر القذافي انتهى· هذا ما قررته الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاؤها· وانتهى من حيث علاقته بالمجموعة الدولية بعد قرار مجلس الأمن بفرض عقوبات على ليبيا· ولكن الأزمة الليبية لم تنته، وبسبب القذافي بالذات· وقد عبّرت كاتبة الدولة الأمريكية، هيلاري كلينتون، عن هذه الوضعية بقولها: ''يمكن أن تتحوّل ليبيا إلى ديمقراطية، كما يمكن أن تعيش حربا أهلية طويلة الأمد''· كلينتون لا تنطق عن فراغ، ولكنها نظرة نابعة من الفهم الأمريكي لموازين القوى بين الموالين للقذافي وبين الثوار· وكأن الأمريكيين اقتنعوا أن الأزمة تحوّلت من حركة احتجاجية إلى نزاع مسلح، فرضته التركيبة السوسيولوجية الليبية· ولا شك أن المعلومات التي يتوافر عليها الأمريكيون عن النسيج القبلي الليبي أكثر من تلك التي تصلنا عن طريق القنوات التلفزيونية· ويمكن أن نستنتج من خلال الحذر الأمريكي أن القذافي لم يكن يهذي عندما وعد العالم بتحويل ليبيا إلى ''نار حمراء''، كما يمكن أن نستنتج، من خلال آخر الأخبار على الأرض، أن التحالفات القبلية دائمة الحركة ومتقلبة· وعندما نسمع أن القبيلة الفلانية انضمت للثوار فلا يعني ذلك أن انضمامها نهائي، كما لا يعني ذلك انضمام القبيلة برمتها· إن انقلاب سائر القبائل الكبرى، في ظرف أسبوعين، على معمر القذافي لا يفسر لنا نجاحه في حكم ليبيا حكما مطلقا· الأقرب إلى المنطق أن تبقى للقذافي، في أسوأ الأحوال، بعض الصلاة ببعض أجزاء القبائل، وأن تبقى له بعض الخيوط يحركها لصالحه· ومن الصعب جدا تصور خروج كل أعضاء قبيلة القذاذفة، مثلا، خروجا تاما على أحد أبرز أبنائها· فهذا يتناقض كليا مع المنطق القبلي المعروف· زيادة على ذلك، لا بد أن يبقى إلى جانبه جزء من أعمدة نظامه، لأنهم يقاسمونه نفس المصير المشترك، كما كانوا يقاسمونه نفس المصالح، وهذا أيضا من طبيعة كل الأنظمة· هذه المعطيات تفسر بعض الأخبار التي تقول: إن قوات النظام أعادت سيطرتها على بعض المواقع الواقعة شرق طرابلس، وأنها وصلت إلى مدينة مرسى البرجة، حيث مصافي النفط، وأن الطيران الليبي لا يزال قادرا على قصف كل المناطق التي يسيطر عليها الثوار· وحتى في انحصار مجال حركة القذافي في العاصمة، فإن قدرته على إطالة الحرب تبقى كبيرة جدا، أو على الأقل تنبئ بحمام من الدماء في حالة اندلاع معركة طرابلس، التي شبهها أحد المحللين بمعركة ستالينغراد· والأكيد أن هذه المعركة تبقى بعيدة ما لم تتخذ المجموعة الدولية مجموعة من الإجراءات، أولها فرض حظر جوي على ليبيا، من شأنه وضع حد للقوة الجوية التي يستعملها القذافي· وعلى الرغم من أن هذا الإجراء يمثل مطلبا للعديد من وجوه المعارضة الليبية، كما أنه يمثل، إلى حد ما، أمنية العديد من الدول، إلا أنه يصطدم بمعارضة بعض الدول الكبرى، ومنها فرنسا التي تشترط ألا يتم ذلك إلا من خلال قرار لمجلس الأمن، أي غطاء قانوني يبعد شبح تفرد الولاياتالمتحدة بالمسألة الليبية، تفردا عسكريا كما حدث في العراق· ومن جهتهم، يتكلم الأمريكيون عن صعوبات تقنية، منها أنهم يجهلون الكيفية التي سيكون عليها رد فعل المضادات الأرضية للقذافي، والتي تقتضي رد فعل مضاد يتمثل في قصف مواقع الصواريخ المضادة للطائرات· وعندما يصل الأمر إلى هذا الحد، سيبدأ الكلام عن تدخل عسكري· ويطرح التدخل العسكري الكثير من المشكلات: الأول أن الأمريكيين لا يستطيعون التحكم، منذ البداية، في مدته أو في مداه· متى يبدأ ومتى سينتهي· والثاني أنه قد يضطر القذافي إلى تصرف يائس، كاستعمال أسلحة محرمة ضد الشعب الليبي· والثالث أن التدخل العسكري المباشر قد يثير غضب العديد من أطراف المعارضة والثوار أنفسهم، تماما كما حدث في العراق· ويرى الكثيرون من المحللين الغربيين أن القوات الأجنبية لا تستطيع، في كل الحالات، القيام بالثورة نيابة عن الشعب الليبي· وعلى الليبيين أن يكملوا ما بدأوا به، وعليهم وحدهم أن يتحمّلوا تكاليف ثورتهم، إذا أرادوا بناء مستقبل أفضل من حكم القذافي وأفضل من ديمقراطية بإشراف قوات أجنبية· وقصارى ما هو مطلوب من الدول الكبرى الإسراع في تقديم المزيد من المساعدات الإنسانية، ولا بأس أن تكون مدعومة بحماية عسكرية تضمن وصولها إلى الذين هم في حاجة إليها، ثم مواصلة الضغوط السياسية والاقتصادية، وإن اقتضى الأمر تمكين القذافي من الخروج بسلام إلى المنفى·