ترى هل يستحضر المصريون في غمرة الانتشاء بنصر الثورة ذكرى رحيل أحمد زكي؟ كان حزينا يوم 27 مارس من سنة 2005 على كل محبي السينما المصرية وعشاق النجم الأسمر، ذاك الذي منح حياته للفن، لدرجة نسي فيها أن لنفسه عليه حق· استمر إلى آخر لحظة من حياته يقدم ما بقي لديه من عطاء فني، هو الذي راهن الكثيرون في بدايته على فشله، إذ لم يكن بوسامة حسين فهمي ولا محمود ياسين، كيف له أن يؤدي بطولات الشاب الحبيب الرومانسي في سينما كانت تقلد هوليوود، سينما تسعى للإبهار أكثر· خسر كل من راهن على فشل أحمد زكي، فقد نجح في شق طريقه في سينما، بل إنه فتح الباب أمام السينما المصرية لتجد لنفسها طريقا جديدا، طريقا فتح الباب أمام مئات الممثلين من بعده، ممن كانت تقاسيم وجوههم أقرب للمصري العادي، رجل الشارع الذي يرى في زكي نسخة عنه، عن يومياته، أحلامه، طموحاته وخيباته· هكذا كان أحمد زكي قادرا على نقل الواقع في سينما واقعية عادت لترسم اسمها بأحرف من ذهب، فكانت أفلام رسخت الفنان كنجم شباك· الغريب مع الراحل أنه من القلائل في مصر الذين استعصى وضعهم في خانة معينة، إذ لم يكن مجرد فنان يحقق إيرادات وأرباح في الشباك، كانت أفلامه قيمة فنية لا يختلف بخصوصها النقاد· أكثر من ذلك شخصية زكي، التي قيل عنها أنها مثل العجينة تتشكل وفقا لإرادته، سمحت له بالإبداع في أدوار لم يكن الكثيرون يرونه فيها· وقد يصعب التحدث عن موهبته في أسطر، فأعمال زكي يمكن أن تدرج في كتب أو أبحاث تطول وقد لا تنتهي، من يذكر دوره في فيلم ''زوجة رجل مهم'' لمحمد خان، كيف أبدع في دور المتسلط، المتجبر القاهر، إبداع خارق، جعل الكثيرون يعتقدون آنذاك أنه قمة ما قد يصل له النجم الأسمر، اعتقاد من لا يعرف شخص الفنان، الذي تشبع من يوميات مواطنيه حد الثمالة، يوميات كان يقتبسها في أفلامه فتجد صداها لدى المتفرج، فهي تخاطبه وتتحدث عنه وله· من يتحدث عن أحمد زكي لا بد له أن يتحدث عن الثنائي الذي شكله مع الراحلة الأخرى، المبدعة الرائعة سعاد حسني، تلك التي قبل من أجلها التمثيل في سلسلة تلفزيونية جميلة في بساطتها وطرافتها، مسلسل ''هو وهي'' الذي أسعد الملايين من المتفرجين العرب· إلى جانب الفيلم السينمائي ''موعد على العشاء'' الذي أدى فيه أحمد زكي دور الحلاق العاشق لزبونته، سعاد حسني، فكان الفيلم تحفة فنية، ليعود الثنائي ليجتمع مرة أخرى في فيلم ''الراعي والنساء'' وإن قال النقاد عنه أنه أضعف أداء لكليهما، يظل الفيلم عبقرية كل من زكي وحسني· تعود ذكرى رحيل أحمد زكي ومصر تعيش فرحة انتصارات الثورة والتخلص من ديكتاتورية لم تفصح عن اسمها طيلة ثلاثة عقود، لتجد الساحة الفنية في مصر نفسها أمام فنانين مناصرين ومعارضين للثورة، وإذ نجد أنفسنا أمام تساؤل: كيف كان سيكون موقف زكي من كل ما حدث؟ ومع أن السؤال عبثي لا معنى له، إلا أنه يمكن الجزم بأن من شرح الحياة المصرية في أعماله وفي شخصياته، لا يمكن إلا أن يقف في صف الشارع المصري، قد يفيد التذكير بتجسيده لشخصيات تاريخية من قبيل ''عبد الناصر'' و''السادات'' تعلق الرجل بماضي وطنه، ذلك الماضي الذي يرهن المستقبل ما لم يتم تشريحه، فقد كان زكي، اليتيم المنشأ، ابن الشارع المصري ونبضه فيما بعد ولا يمكن إلا أن يظل إلى الأبد علامة فارقة في تاريخ الفن ليس في مصر فحسب، بل في كل المنطقة العربية التي عشقت فنه، ستظل ذكرى أحمد زكي نابضة بالحياة بقاء أعماله وخلودها·