بينما كان المطاحُ به حسني مبارك يوشك على السقوط، طرحت في مصر إشكالات دستورية وقانونية حول مواد معينة خَشي البعض أن تتسبب بفراغ في الحكم، فتعم الفوضى وتنهار المؤسسات· واجتهد المجتهدون وتحدث المتحدثون إلى أن حسم المجلس العسكري القضية وانتهت الأمور بسلام· وها هي مصر اليوم قد دخلت تجربة استفتاء دستوري وستجري لاحقا انتخابات تفضي إلى اختيار رئيس شرعي· في تونس كذلك حدث الأمر ذاته مع فوارق في التفاصيل· بينما ما يحدث في ليبيا واليمن اليوم، شيء مختلف تماما· فلا عوائق دستورية، لأن الدستور غير موجود أصلا· ولا مخاوف من انهيار مؤسسات الدولة، إذ لا وجود لدولة بالمعنى المتعارف عليه· لهذا يعمل اليمنيون والليبيون على التخلص من صالح والقذافي، على أمل أن يبدأ هذان الشعبان في تأسيس دولتيهما· خلال وبعد الأحداث التي وقعت في تونس ومصر، سمعنا وقرأنا عن الحركات الشبابية والشخصيات العامة، وجماعة (الإخوان المسلمون) وأحزاب الليبراليين واليساريين والناصريين والبورقيبيين، وعن الجيش والبرلمان وما إلى ذلك·· واليوم لا حديث في ليبيا إلا عن قبائل القذاذفة والمقارحة وأولاد سليمان وترهونة ورفلة والشراقة والغرابة، والمليشيات والكتائب والمرتزقة·· ولا حديث في اليمن إلا عن قبائل خولان وحاشد وبكيل وقبيلة الأحمر، وعن الشمال والجنوب والشيعة والسنة·· عندما يتعلق الأمر بدولة قائمة، ذات تقاليد ومؤسسات، حتى وإن كانت هذه الدولة شبه ديمقراطية أو ديكتاتورية، فإن التغيير يكون ممكنا سواء من داخل النظام أو بضغط من الشارع، فيما تقلّ المخاوف من انتقال التنافس على السلطة من أطره السياسية إلى حرب أهلية، وقودها القبائل والجماعات الدينية أو المذهبية أو العرقية·· مصر وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا وسوريا والأردن·· هي دول حقيقية، لهذا فإن شعوب هذه الدول تطمح إلى التغيير وستحققه، إن عاجلا أم آجلا، سواء عبر الانتفاضات الشعبية، أو عبر التغيير الهادئ بضغط من الشارع والإعلام والمعارضة·· لكن الخوف كل الخوف على دول العائلات والقبائل وتلك الكيانات القائمة على المال والإعلام، واحتكار الرمزية الدينية والمذهبية والعرقية·· إنها كيانات متخفية وراء واجهات براقة، لا أسس لها ولا أرضيات تقف عليها·