قرر أن يمضي ليلته وسط بركة ملوءة بأسماك القرش.. أخذ ثيابه وأقلامه، وغطس صحبة كلبه واشق.. استأنس ببعض الأوراد التي حفظها عن ظهر قلب، عندما كان يتردد على شيخ الطريقة الرحمانية الواقعة بسفح جبال كبلوت.. هذه الجبال التي أغرم بها كاتب ياسين . قال له شيخه ضاحكا: - كم تبدو غبيا وذكيا في آن واحد أيها الغلام الطيب. - كيف لي أن أكون غبيا وطبيا وذكيا يا سيدي.. لا شك أنك تمزح فقط. وفي الصباح وجد نفسه غارقا في بحر من الذكريات.. كان يحلم بأمرأة تبلل وجهه بدموعها وتروي له قصة وطن غادره منذ أربعين سنة، بعد أن اتهم بالخيانة العظمى. كان أقصى ما ناله من الحيف من وطن أحبه هو النفي ظلما.. كانت صورة والده وهو يودعه للالتحاق بالمجاهدين في الجبال، هي ذكراه الوحيدة التي تربطه بهذا الوطن الجميل. كان جالسا أمام والدته في ذلك اليوم الربيعي عندما دخلت عشيقته الفرنسية رفقة شقيقته التي درست معه في إحدى الجامعات الأوربية تخصص الفزياء النووية. سألها كيف اهتدت إلى البيت وهي التي لم يسبق لها أن زارت الجزائر في السابق. ازداد غيضا عندما تذكر قطته وتلك الشجيرة التي غرسها قي باحة المدرسة عندما كان تلميذا بالسنة السادسة. استعار قلما من شاب كان يجلس على ظهر صخرة تمتد منتصبة وسط البحر.. أخرج منديلا من جيب سترته.. خط الحرف الأول ثم الثاني والثالث.. نوقف متأملا الاسم الذي كونه. - لا أظن أن هذا هو اسمها.. جدتي كانت تناديها بحرفين فقط. عاد إلى النوم من جديد لعله يتذكر الحرف الرابع الذي يكون اسم عشيقته الرابعة. تساءل وهو ينتشل نفسه من كابوس مخيف: أين أنا؟.. ومن تكون تلك المرأة التي أخذت مني الحرف الرابع؟