على مقربة من مرور أربعة أشهر، على اندلاع النار في جسد المواطن التونسي محمد البوعزيزي في مدينة سيدي بوزيد، والذي أشعل ثورات شعبية غير مسبوقة في مختلف أرجاء العالم العربي· رغم اندلاع الثورات في كثير من البلدان العربية، إلا أن حصيلتها العملية هي سقوط رئيسين (زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر)، وبالمقابل ترتفع فاتورة التغيير من الأرواح البشرية في أكثر من بلد عربي، خاصة ليبيا التي تحولت فيها الثورة إلى حرب كلاسيكية حقيقية، دخل فيها حلف شمال الأطلسي على الخط، وغابت فيها الإحصائيات الرسمية، وقد توقف عداد الضحايا عند المئات في الأيام الأولى للثورة عندما كانت سلمية· ثم في اليمن عندما رفض الرئيس علي عبد الله صالح الرحيل، وبالمقابل يرحل أسبوعيا عشرات اليمنيين برصاص ''البلاطجة'' والقناصة المحسوبين على النظام، ثم سوريا التي يرفض نظامها الحاكم وصف ما يحدث بالثورة وينعتها ب ''المؤامرة الخارجية''· وكان المواطن التونسي محمد البوعزيزي، أول ضحايا التغيير، وفتحة لرقم في تصاعد مستمر، لا أحد يعرف كيف سينتهي، وبدا أن الثورة التونسية كانت سلمية بشكل مثالي· لكن مع بدء العد العكسي لرحيل الجنرال بن علي، خاصة عندما تجرأ المتظاهرون برفع لافتات لأول مرة في تاريخ تونس المعاصر تدعو صراحة إلى طرد الجنرال، لم تتورع قواته في قنص الكثير من المتظاهرين التوانسة، لكن النتيجة كانت عكسية وهرب الجنرال بسرعة، بعد أن ترك حصيلة ,219 و510 قبل أن ترتفع قليلا بعد ذلك مع بعض الاضطرابات التي حدثت عقب نجاح الثورة، وكانت أخفض حصيلة لثورة شعبية حقيقية، بعكس الثورات العربية اللاحقة التي دفعت فاتورة بشرية أكثر دون أن تحقق في كثير من حالاتها النتائج المرجوة· ولئن كانت الثورة التونسية هي ''الأنظف'' من ناحية الفاتورة البشرية، إلا أن الثورة المصرية التي اندلعت بعد ذلك، كانت الأسرع زمنيا، حيث تمكنت من إسقاط مبارك في أقل من عشرين يوما، ومع ذلك كانت حصيلتها الرسمية هي 336 قتيلا، لكن حصيلة غير رسمية تعتمد على حالات غير معلنة من قبل أهل الضحايا خوفا من نظام مبارك قبل سقوطه، ترفع العدد إلى 685 قتيلا مع اختلافات طفيفة بين بعض الروايات غير الرسمية· وبدا الأمر في الثورة الليبية التي فاجأت الجميع عندما اندلعت سلميا في السابع عشر من فيفري الماضي أكثر دراماتيكية، حيث سقط مئات القتلى حسب إحصائيات لمنظمات حقوقية إنسانية، قبل أن يتحول الأمر إلى حرب مسلحة اختلف سياقها، لكن إحصائيات للحكومة البريطانية صدرت في نهاية شهر مارس الماضي أكدت أن عدد قتلى الحرب بين قوات القذافي والثوار المسلحين بلغ 1000 قتيل، حيث وزارة الخارجية البريطانية التي أصدرت هذه الإحصائية قالت ''بينما لم تصدر أي أرقام رسمية عن عدد القتلى، تشير عدة مصادر إلى أن حوالي ألف شخص قتلوا بالفعل وأصيب عدد أكبر بكثير خلال أعمال العنف التي وقعت مؤخرا''· واختلف الأمر في اليمن، حيث يواصل الرئيس علي عبد الله صالح حشد أنصاره ضد جموع المطالبين برحيله في تحد مستمر ورفض الرحيل، وتتواصل الثورة اليمنية سلميا رغم كل الإكراهات التي تحول دون تحويلها إلى حرب مسلحة وأهمها توفر السلاح عند عموم الشعب، وأكدت مصادر أن حصيلة القتلى تكون قد تجاوزت المئة، وما زال صالح يرفض الرحيل· ولأن لكل ثورة من الثورات العربية سياقها ومنطقها الخاص، فإن الوضع اختلف في سوريا، حيث سقط وفي إحصائيات غير رسمية أكثر من 150 قتيلا معظمهم في مدينة درعا، بينما تحول الرواية الرسمية خفض العدد إلى أكثر قليل من الخمسين· ولم تتوقف الحصيلة عند هذا العدد، ولا عند هذه الدول، فقد سقط مواطنون آخرون من أجل التغيير في الأردن والبحرين، وسلطنة عمان وفي العراق وفي مختلف أنحاء العالم العربي، ومع ذلك فإن حصيلة ''الأرباح'' تتوقف عند رئيسين، لكن الثورات مستمرة مع سقوط عشرات الضحايا في كل حين·