شهد، اليوم الثاني من الطبعة الثالثة للمهرجان الدولي للمسرح، الذي تجري فعاليته ببجاية، عرض الفنان المسرحي الفلسطيني غنان غنام مسرحية من نوع ميلودرامية بعنوان ''عائد إلى حيفا'' يحكي فيها معاناة الشعب الفلسطيني من الاحتلال الصهيوني، وينقل صورة حزينة عن الاقتتال بين أبناء الشعب فيما بينهم، حيث نجح في تجسيد فوق الخشبة عذابات مواطن فلسطيني عانى قهرا وظلما وحرمانا وتشردا لاجئ حينا وملتجىء أحيانا، إلا أنه دائما وأبدا يحمل أمل العودة إلى فلسطين، ذاك الوطن الساكن في الوجدان· نجح الفنان غنام غنام في التأثير بقوة على الجمهور، وذلك ليس من باب حساسية الموضوع الذي تناوله، بل بنقله للألم الذي يسكن نفوس الفلسطينيين وجسده على خشبة القاعة الصغيرة للمسرح الجهوي مالك بوقرموح ببجاية· مسرحية ''عائد إلى حيفا'' مقتبسة من رواية الأديب الفلسطيني غسان كنفاني، من إنتاج نبيل الكوني وإخراج الدكتور يحيى البشتاوي، أما الإعداد والتمثيل للفنان القدير غنام غنام الذي قام بتمثيل كل الأدوار في العمل المسرحي وقدمها باللهجة الفلسطينية العامية بحرفية ومهنية عالية· تتحدث المسرحية عن قصة زوجين سعيد وصفية كانا يعيشان في حيفا قبل النكبة، وفي يوم 21 أفريل ,1948 انهزمت قذائف المدفعية من تلال الكرمل العالية لتدك مدينة حيفا، وفي وقت إطلاق النار والقذائف كان سعيد الزوج خارج المنزل ولم يتمكن من العودة إليه، حيث خرجت زوجته صفية من البيت للبحث عنه وسط حشود الناس المذعورة، وتركت ابنها الرضيع ''خلدون'' عمره 5 أشهر بالمنزل، وبعدما عثرت على زوجها لم يستطيعا العودة للمنزل للبحث عن ابنهما الرضيع، بسبب زحام فوضى الحرب والقهر والقتل والدمار الصهيوني، وأجبر على النزوح رغما عنهما دون اصطحاب ابنيهما· وبعد مرور السنين عاد الزوجان إلى منزليهما بحيفا، وهذا بعد حرب ,1967 وتفاجآ بوجود ابنهم خلدون أصبح شابا مجندا في صفوف الجيش الإسرائيلي وتحول اسمه إلى ''دافيد'' بعدما تبنته عائلة يهودية نزحت من بولونيا إلى فلسطين واستوطن بيتهم، حيث ربته واعتنت به، وهنا تبلغ المأساة ذروتها بعد أن عرف الفتى الحقيقة المرّة، ورغم ذلك رفض الاعتراف بوالديه وأصر على الانحياز إلى جانب أمه اليهودية التي تبنته· وفي نفس الوقت كان سعيد يعارض التحاق ابنه الثاني خالد بصفوف المقاومة، لكن بعد إطلاعه على وضعية ابنه الأكبر خلدون، اضطر لتغيير موقفه، وقبل بانضمام ابنه خالد للمقاومة كحل وحيد للاعتزاز· وتواصل النقاش الدائر بين سعيد وابنه خلدون، باتهام هذا الأخير لوالده برميه وضياعه، وحمل والده اللوم، وطرح الابن عدة تساؤلات أثرت بشكل بليغ في نفوس الجمهور ''لماذا تكتموني؟ لماذا لم تعودوا يوما أو يومين أو حتى أسبوع ؟ لماذا عدتم الآن بعد كل هذه السنوات؟ لماذا لم تحمل السلاح وتقاتل من أجل استرجاعي؟''، لكن الأب أجابه بحكمة ورزانة وأخبره بأن بطش وقهر الجيش الصهيوني منعه من ذلك، وأن الفراق بينهم كان رغما عنهم· وقد ركز هذا العمل المسرحي على فترة زمنية محددة، وتمت الإشارة فيه إلى الخلافات الفلسطينية، وتم أيضا التركيز على شخصية المقاوم خالد وهو الابن الثاني لسعيد، حيث بينت المسرحية أن خالد تم اعتقاله من قبل السلطة في رام الله بحجة حمايته، لكن الصهاينة اختطفوه من سجن السلطة، وبعدها توفي في سجون الاحتلال بسكتة قلبية عندما علم باقتتال الفلسطينيين فيما بينهم· وقد أبدع الفنان غنام من خلال تقديمه لكل شخصيات العمل المسرحي، حيث ترك تأثيرا كبيرا في نفوس الجمهور الذي أحس بآلامه· وفي آخر المسرحية، خاطب الفنان غانم الجمهور وقال لهم ''هذا العمل المسرحي يتحدث عن ''فلسطين المستقبل التي كتبها غسان كنفاني وإميل حبيبي ومحمود درويش وتوفيق زياد وسميح القاسم، ورسمها ناجي العلي وإسماعيل شموط وكامل المغني وسليمان منصور، وغناها الشيخ إمام ومارسيل خليفة وآخرون''·