تفاعل جمهور مسرح محي الدين بشطارزي بالعاصمة مع مسرحية "عائد إلى حيفا" لفرقة "طقوس'' الفلسطينية، وتجاوز حد المتابعة والفهم والإعجاب والتصفيق، ففي أثناء العرض وجد الجمهور نفسه أسيرا لهذه المسرحية بسبب قوة العمل المسرحي الذي استوحاه مؤلفه من رواية تحمل العنوان نفسه صدرت سنة 1968 للأديب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني، الذي اغتالته إسرائيل في بيروت عام 1972 بتفجير سيارته، ويجسد العمل مقولة المقاومة هي المستقبل المشرق لهذه الأمة. مسرحية ميلودرامية لفرقة طقوس المسرحية من إنتاج نبيل الكوني وإخراج د. يحيى البشتاوي وسينوغرافيا د.فراس الريموني، وإعداد وتمثيل غنام غنام... الذي قام بتمثيل كل الأدوار الموجودة في العمل وقدمها باللهجة الفلسطينية العامية بحرفية ومهنية عالية، وركز العمل على الشخصية الأساسية "سعيد" والد الطفل خلدون الذي تركوه في حيفا وعمره خمسة أشهر في النكبة عام 1948، وكيف عاد هو وزوجته "صفية" عام 1967، ليجداه أصبح اسمه "ديفيد" نسبة إلى ديفيد بن غوريون، ويعمل جنديا في الجيش الصهيوني، ويرفض الاعتراف بهما ويتمسك بعائلته الصهيونية، ولكن الأسئلة التي طرحها خلدون على والديه أثارت جدلا واسعا بداخل كل شخص تابع العمل... " لماذا تركتموني؟ لماذا لم تعودوا بعد يوم أو يومين أو حتى أسبوع؟ لماذا عدتم الآن بعد كل هذه السنوات؟ لماذا لم تحمل السلاح وتقاتل من أجل استرجاعي ؟!!!!! يرسم هذا العمل الذي استوحاه مؤلفه من رواية تحمل نفس العنوان صدرت سنة 1968 للأديب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني، طريق العودة إلى فلسطينالمحتلة، حيث يقول معد المسرحية يحيى البشتاوي إنها ''تعيد طرح أسئلة حارة طرحت عام 1968 وبقيت حارة حتى يومنا هذا وتحاول رسم الطريق الذي يؤدي إلى حيفا وهو المقاومة''، مضيفا أن العمل يشخص الواقع الفلسطيني الراهن بما يعتمل فيه من أحداث وتطورات، وعلى هذا يعج الحوار بالإشارات والإحالات على الاقتتال الداخلي بين الفصائل الفلسطينية، وعلى سياسة التهويد التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. ومن جانبه، يؤكد الممثل الرئيسي في المسرحية غنام غنام أن هذا العمل المسرحي يتحدث عن فلسطين المستقبل التي كتبها غسان كنفاني وإميل حبيبي ومحمود درويش وتوفيق زياد وسميح القاسم، ورسمها ناجي العلي وإسماعيل شموط وكامل المغني وسليمان منصور، وغناها الشيخ إمام ومارسيل خليفة وآخرون، مضيفا أن المسرحية حاولت إعادة تقديم رواية كنفاني في قالب مسرحي عقب أربعين عاما من كتابتها و62 عاما على الأحداث التي ترويها، لذلك كتب لها مدخلا تكشف فيه الشخصية المركزية في المسرحية ''سعيد'' للمشاهدين سرا أخفته مدة طويلة. وفي السياق ذاته، يكشف العمل السر الذي يرويه ''سعيد'' حول ابنه ''خلدون'' الذي ظل في حيفا عام 1948 وعمره خمسة أشهر، وعاد هو وزوجته صفية عام 1967 ليقابلاه فوجدا أن اسمه أصبح ''ديفيد'' ويعمل جندي احتياط في الجيش الإسرائيلي، وأنكر بمجرد رؤيتهما صلته بهما، حيث أخذته عائلة مستوطنة وربته وفق الديانة اليهودية ومبادئ الصهيونية. يقف الجمهور أمام حالة إنسانية وطنية تراجيدية، حيث تبدأ مع عام النكبة في ذروة أحداثه ليصور رحلة طويلة من التشرد والعذاب والآلام، رحلة يغوص في مخاضها مئات الألوف من الفلسطينيين بعد أن اقتلعوا من ديارهم وحرموا من أهلهم وأرضهم، فهو يؤرخ ليوميات سقوط حيفا عام 1948 من خلال رصده لمصير عائلة فلسطينية.