''نحن خائفون''، يؤكد سكان العمارة، ''أرضية صالون بيتي تفيبري (تهتز)''، يقول أحدهم ثم يضيف: ''تعالوا معي لتقفوا على الحقيقة بأنفسكم''· هو الخوف الذي يتكلم عنه السكان يتسرب إلى الزائرين، حيث الأرضية تبدو غير مستقرة بالفعل ويمكن أن تقع بمن فيها على رؤوس سكان آخرين ولا أحد يعلم كم ستكون الحصيلة· إنه وضع العمارة رقم 2 بشارع الداي بقلب حي باب الواد الشعبي، الذي يؤكد سكانها أنه مستمر منذ سنة 1984 عندما صنفت ضمن الخانة الحمراء الآيلة للسقوط ومنذ ذلك الحين وهم ينتظرون الرَّحلة التي لم تتم، رغم أن آباءهم قدموا ملفات منتصف ثمانينات القرن الماضي وقدموا هم بأنفسهم ملفات جديدة كان آخرها في شهر ماي الماضي مرفقة بشهادات مدرسة لأبنائهم المتمدرسين واتفقوا مع السلطات العمومية ممثلة في الوالي المنتدب لباب الواد على موعد محدد للرحيل ومر الموعد ولم يتحقق شيء والأخطر من ذلك لم يجدوا سبيلا للقاء الوالي المنتدب من أجل تذكيره بالوعد الذي لم يتحقق وسؤاله عن أسباب ذلك· وتبدو السلالم الثابتة كأنها متحركة، ويجد الصاعد عليها نفسه مدفوعا للحذر بالفعل، خاصة إذا كان غريبا عن العمارة، حيث ألف سكانها التنقل بينها وهي على ذلك الحال، ولا تجد صعوبة في استنطاق السكان حول الأمر، إذ يتحدث أكثر من واحد في وقت واحد، فيقول محمد: ''جاءتنا اللجنة آخر مرة في شهر ماي الماضي، وتكلمت أنا شخصيا مع الوالي المنتدب لباب الوادي، وقلت له إن الجيران ينوون إخراج كل أغراضهم إلى الشارع هربا من الموت الذي يهددهم في كل لحظة، فقال لي ''إن الرحلة ستتم قبل شهر رمضان (الماضي)، وتم ذلك بحضور ممثلين عن كل العمارات المهددة بالسقوط، هناك حوالي ثلاثين عمارة، ومن كل عمارة، جاء شخص في إطار الوفد الذي استقبله الوالي المنتدب''، ثم يضيف: ''أكدت للوالي المنتدب على خطورة الوضع خاصة على مستوى السلالم الموجودة في حالة كارثية''، إنها وضعية مخيفة بالفعل يقول بشأنها أحدهم: ''تخيل عجوز تسكن في هذا الطابق عمرها تسعون سنة، كيف لها أن تنتقل بين هذه السلالم دون أن تشعر برعب حقيقي، ربما أدى بها إلى متاعب صحية وهي في هذا السن، والأمر نفسه ينطبق على الأولاد الصغار''· ويعود محمد للحديث قائلا: ''المهم في كل هذا، نحن مبرمجون على مستوى دائرة باب الواد، نحن ننتظر الرَحلة التي لم تتم في مواعيدها السابقة ولا ندري متى ستتم، قيل لنا على لسان الوالي المنتدب أنها ستتم قبل شهر رمضان، ثم قيل لنا أن الأمر سيتأخر بعد أن يرّحلوا سكان ديار الكاف على أن يتم ذلك بعد رمضان، وبخصوص العمارة المهددة بالسقوط مثلما هو الحال مع عمارتنا، وانتظرنا الأمر بعد عيد الفطر ولم يتم شيء، وحينها ذهبت إلى البلدية على مستوى المصالح التقنية، فقال لي الموظف الذي كان هناك أن الملف جاءهم بالفعل من الولاية وأن الرحلة ستتم قريبا، وعلينا ألا نتصل بأي مسؤول لأن الأمر في إطار التنفيذ ولم يتم شيء في الموعد، مر العيد الكبير مثلما مر العيد الصغير ونحن في الانتظار مع خطر انهيار السلالم في أي لحظة''، ويضيف: ''ربما هم ينتظرون سقوط المبنى على ساكنيه ويموت من يموت، وقد حدث هذا بالفعل في مناطق أخرى، مثلما وقع في جون جوريس حيث مات شخص هناك، انهار عليه المبنى وجرح جمع من السكان وساعتها فقط تم ترحيل بقية سكان العمارة''· وماذا عن وعد الوالي المنتدب، هل من سبيل للقائه من جديد وتذكيره بوعده؟ نسأل، فيجيب أحد ساكني العمارة 2 بشارع الداي: ''لم يعد بإمكاننا لقاءه، هو لا يستقبلنا رغم إلحاحنا، وعندما خاب أملنا أصبحت أنظارنا متجهة إلى ولاية الجزائر العاصمة، وأصبحنا نعتقد أن الوالي المنتدب لا يمتلك الصلاحيات اللازمة لاتخاذ قرار كهذا، وهو الذي وعد سكان حوالي ثلاثين عمارة مهددة بالسقوط بالترحيل ولم يتحقق هذا الوعد''، ويعلّق أحد جيرانه: ''لقد أعطوا الأولوية لسكان الأحياء الذين حملوا السيوف، أما نحن المسالمون فيبدو أن الأولوية ليست لنا'' ويعود محمد للكلام: ''ليتهم قاموا بترميم العمارة، هم لم يرمموها ولم يرحلّونا، فماذا يريدون، هل يريدون موتنا؟ إننا نسأل بمرارة''· هي العمارة التي يؤكد سكانها أنها صنفت سنة 1984 ضمن الخانة الحمراء الخطيرة، ولم يعمل المسؤولون المتعاقبون إلا على تزويق واجهتها الخارجية التي تبدو جيدة جدا ولا تعبّر عن داخلها المتآكل، وكانت آخر مرة تم فيها طلاء العمارة من الخارج عند زيارة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك سنة ,2003 ويأخذنا السكان إلى سطح العمارة يشيرون إلى المكان القريب جدا الذي نزل عنده شيراك رفقة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وهم يحيون الناس الذين كانوا في استقبالهم، ويعلق بعضهم ساخرا: ''لم يكن الرئيسان على علم بأن العمارة الجميلة القريبة منهم يمكن أن تنهار من الداخل''، ويضيف آخرون أن الشق الآخر من المشكلة يكمن في العمارة المجاورة لهم وهي ملك أحد الخواص، فرغم حالتها الكارثية إلا أنه رفض تهديمها، وقد تنهار وتصيب العدوى عمارتنا، إننا خائفون، مرعبون ومنتظرون اليوم الموعود الذي سنرحل فيه إلى مساكن آمنة ولا يهم الاتجاه الذي سنأخذه· ثم يأخذنا أحدهم إلى بيته ويدقق في الباب الخارجي من الداخل، ويؤكد عن ميل متواصل للسقف على حساب الباب الذي لم يعد مربعا تماما، وهو ما يؤكد على أن السقف في حالة ميل متواصل ولا أحد يعلم متى سينهار، ويتمنى الكل أن يحدث ذلك بعد الرَحلة المنتظرة·