قبل أيام قليلة من أول انتخابات ''ديمقراطية'' تشهدها مصر، يبدو أن رصيد الثقة بالنسبة لمعظم الأحزاب والقوى السياسية والشخصيات التي تطرح نفسها على الساحة قد نفد، أو أوشك على النفاد· ولا يبدو أن المجلس العسكري بدوره قد نجح في الحفاظ على رصيده عند نفس المستوى الذي كان عليه حين تولى السلطة، وأخذ على عاتقه حماية الثورة من أجل انتقال سلمي للسلطة! بل يمكن القول بأن حكومة عصام شرف قد وصل رصيدها إلى الصفر· فبعد أكثر من تسعة شهور لم تستطع التيارات الإسلامية وعلى رأسها الحرية والعدالة أن تكتسب ثقة الناس حول سلسلة من المبادئ والبرامج التي يوجد إجماع أو شبه إجماع عليها· وقد عدل الحزب الذي يعد أكبر الأحزاب مواقفه أكثر من مرة، حين أقر الصيغة النهائية للوثيقة الدستورية خلال اجتماع مع عصام شرف· ثم تراجع عن اتفاقه في البند الثالث من معايير تشكيل لجنة إعداد وصياغة الدستور· ثم عاد وأقر بنود الوثيقة باستثناء المادتين التاسعة والعاشرة، مع إصرار على إلغاء كلمة المدنية وإبدالها بالديمقراطية· وهكذا أصبح على المواطن العادي أن يتساءل في أي الاتجاهات يريدون أن تقوم الدولة؟ هل على أسس دينية أم مدنية؟! وعلى الرغم من أن علي السلمي مازال ينفي تعديل الوثيقة الدستورية، ويؤكد أن الإخوان استبدلوا كلمة ''مدنية'' ب ''ديمقراطية''، فقد أحدث هذا التصريح ضجة شديدة بين مختلف القوى الديمقراطية التي رأت على حد تعبير الفقيه الدستوري يحيى الجمل أنها جريمة في حق الوطن! ولم يكن غريبا أن تؤدي حالة التردد والاهتزاز والقلق إلى مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في ميدان التحرير·· وأن تسفر الصدامات التي اتهمت فيها الشرطة باستخدام القوة المفرطة، عن تصعيد خطير في الصدام مع المتظاهرين، على نحو أعاد إلى الأذهان أيام سقوط النظام وتخلي مبارك عن الحكم· ويبدو أن هذا العنف المفرط ارتبط بقوى تسعى إلى الضغط على المجلس العسكري لحمله على تحديد تاريخ محدد لإعلان الخروج من السلطة وتسليمها إلى المدنيين· ومن هنا برزت فكرة تشكيل حكومة ''إنقاذ وطني'' لا أحد يعرف ماذا يراد بها، تتسلم السلطة من الحكومة الانتقالية· ويكون لها كل الصلاحيات· وعلى الرغم من تأكيد المجلس العسكري التزامه بالعودة إلى ثكناته قبل نهاية عام 2102 إذا سارت الأمور طبقا لما هو مرسوم، فإن هذه التأكيدات لا تجد من يصدقها في ميدان التحرير· ومازالت الجموع المختلطة من المتظاهرين والمعتصمين والبلطجية الذين يفتقرون إلى القيادة السليمة، تحاول فرض توجهاتها على العسكريين· بالدعوة إلى تشكيل حكومة الإنقاذ الوطني، وهي فكرة تؤيدها نخب من المثقفين· ولا أحد يدري على وجه التحديد كيف يمكن لمثل هذه الحكومة أن تتعامل مع الشرطة والجيش·· وما يستلزمه الانفلات الأمني والصدامات القبلية التي سرت مسرى النار في الهشيم، من إجراءات حازمة تتسم بالقوة والشدة! لقد أصبح ''الإنقاذ الوطني'' مجرد شفرة للتحايل على مطالبة المجلس العسكري بالرحيل، دون تصور قانوني متكامل لمن تسلم إليه السلطة· ويبدو غريبا أن بعض مرشحي الرئاسة المحتملين انتهزوا الفرصة للترويج لأنفسهم للانتخابات الرئاسية المقبلة، رغم ما شاهدوه من عمليات تخريب وتدمير· وواقع الأمر أن العنف المفرط لم يكن من جانب واحد· فقد كان عنفا للشرطة يقابله عنف المتظاهرين، حتى ليوشك أن يكون ميدانا للقتال بين عدوين· وليس مجرد إطفاء لنار المظاهرات المشتعلة وفض حشودها· وهذا ما يتجاهله الإعلام حين ينحاز إلى جانب واحد من جوانب الصراع· إن أهم شيء الآن هو أن تجرى الانتخابات في موعدها دون تأخير· ولا بد أن يعترف الذين دبروا الأمر لإثارة موضوع الوثيقة الدستورية سواء كان علي السلمي باسم المجلس العسكري، أو باسم غيره من الفصائل والجماعات، فإن هذه الوثيقة مازال من الممكن إتمامها وإضافة أو حذف ما يتفق عليه من بنود بعد انتخابات مجلس الشعب· وببساطة شديدة فإن التعجل بطرح هذه الوثيقة بدا وكأن الهدف منه هو إطالة أمد بقاء المجلس العسكري في السلطة· وهو ما أثار ثائرة الجماهير الغاضبة وأخرج الناس عن أطوارها!