''كيف تلقيت خطاب الرئيس؟''، هو السؤال الذي طرحناه على كثير من الأشخاص في أماكن مختلفة من مدينتي الجزائر وتيزي وزو· نسأل رجلا ملتحيا بوسط مدينة الجزائر، فيجيب: ''لم أسمعه للأسف، كنت في العمل'' ويشير إلى أثر مواد البناء على يديه، ويضيف: ''الآن أنا ذاهب إلى العمل''· وبالقرب منه نوجه السؤال نفسه إلى أحد زبائن كشك فيجيب: ''أنا خاطيني البوليتيك، نقرا السبور برك كيما راك تشوف''، ويؤكد ذلك بجريدة رياضية يمسكها· والسؤال نفسه يتجاهله بعض العابرين، بحجج وتبريرات مختلفة، بمن فيهم صاحب الكشك· وبحثا عن جواب للسؤال، ندخل مقهى شعبيا مملوء عن آخره في يوم جمعة، ويجب شيخ إنه لم يستمع للخطاب، لأنه كان يجهل موعده، لكن عندما عرف فحوى الخطاب من بعض جلسائه، قال إن الأمر عاد وهو مرتبط بالأجندة الانتخابية، وعن تزامن بث الخطاب مع موجة البرد التي ضربت البلاد وعزلت الكثير من المناطق وقطعت التيار الكهربائي إلى درجة أن بعض الناس لم يتمكنوا من متابعة الخطاب بسبب غياب الكهرباء، قال المستطلع: ''هذا شيء وذاك شيء آخر، لا يجب الخلط بين الأشياء· كانوا مجموعة من المسنين المتحلقين، وقد اتفقوا على رأي واحد، وإن بصيغ مختلفة، يقول بعضهم: ''إنه الظرف السياسي الذي استدعى هذا الخطاب وهو خطاب سياسي أولا وأخيرا، وأعتقد أنه جاء متأخرا بعض الشيء، لأن الوقت لا يسمح للأحزاب التي لم تأخذ اعتمادها بعد بموجب القانون الجديد من أن تستعد بالشكل الكافي للاستحقاقات القادمة وكثير من الأحزاب لم تعقد بعد مؤتمراتها التأسيسية والوقت ليس في صالحهم''· ويضيف زميله: ''لا يجب أن نخلط الموضوع ونسيس كل شيء''· وعن الظرف الذي ألقي فيه الخطاب قال: ''لا أحد تسبب في هذه الكارثة، هي كارثة طبيعية، وحتى أوروبا الآن تعاني من سوء الأحوال الجوية، وليس معنى هذا أن نتجنب الحديث عن السياسة، فالسياسة سياسة والوضع الاجتماعي شأن آخر، وله سياق آخر للحديث عنه''· وفي تيزي وزو، اعتبر السكان هذا الخطاب بالفارغ من محتواه ولم يكن في محله، معتبرين تجاهل الرئيس للجحيم الذي يعيشونه منذ أسبوع جراء الكميات المعتبرة من الثلوج والتي تسببت في عزل المئات من القرى وقتل العديد من الأشخاص اعتبروه بالمخيب للأمل: ''كيف لرئيس جمهورية أن يتحدث عن الانتخابات وأكثر من 30 ولاية تحاصرها الثلوج، وتعيش معاناة حقيقية والمواطنون يستغيثون يوميا'' -بحسب تعبير مواطن في الأربعين من عمره· واستغرب المواطنون، في تصريحاتهم، عدم تقديم رئيس الجمهورية التعازي لعائلات ضحايا الثلوج: ''كان على بوتفليقة أن يقدم على الأقل تعازي لعائلات الضحايا التي خلفتها الثلوج''، وهنا تساءل أحد المواطنين ''هل هؤلاء الضحايا الذين ماتوا بالبرد ليسوا جزائريين؟ وهل الانتخابات أفضل وأولى منهم؟''· واعتبر المواطنون بتيزي وزو هذا تجاهل معاناة الشعب المتضرر من تردي الأحوال الجوية ومحاولة لخدمة الانتخابات دليلا عن فشل الدولة الجزائرية في سياستها، لاسيما منها في تسيير الكوارث الطبيعية والحالات الاستثنائية، ''خطاب الرئيس يؤكد فشل النظام الجزائري في التعامل مع التقلبات الجوية ويثبت فشل السياسة المنتهجة''· وذهب بعض المواطنين إلى أبعد من ذلك، وقالوا إنه في وقت لم يجد المواطنين الذين عزلتهم الثلوج ما يأكلون ولا شيء يتدفئون به، يتحدث الرئيس عن الانتخابات، ''هذه كارثة المسؤولين بالجزائر، يفكرون فقط على الانتخابات، ولا تهمهم إطلاقا أمور الشعب''· وقد اختلف المواطنون في توقعهم لمضمون خطاب وتفليقة مسبقا، فالبعض أكدوا أنهم كانوا ينتظرون أن يفاجئ الرئيس العائلات المتضررة، لاسيما منها منطقة القبائل التي تعتبر من أكثر المناطق، تضررا بالثلوج وذلك بتقديم المساعدات اللازمة وأخذ قرارات عاجلة لإنقاذ المناطق التي عزلتها الثلوج، لكنهم تفاجأوا بخطابه الذي لم يتطرق إطلاقا إلى رداءة الأحوال الجوية: ''انتظرنا من الرئيس أن يعلن على الأقل عن قرارات الدولة خاصة بالثلوج''· بالمقابل، أكد أغلب الذين تحدثنا معهم أنهم لم ينتظروا جديدا من خطاب الرئيس: ''نحن نعرف جيدا النظام الجزائري، لا يهمه الشعب الجزائري وخصوصا منطقة القبائل''· ويقول مواطن آخر: ''ماذا تنتظر من دولة تكتنز قرابة 200 مليار دولار وشعبها يعيش الفقر والبطالة في ظل استفحال الانتحار والحرقة''؟ وأبدى العديد من المواطنين أسفهم الشديد من خطاب الرئيس الذي -بحسبهم- لم يأت بجديد يخدم الشعب ''المغبون''، واعتبروا حصر الرئيس خطابه في الانتخابات في وقت يموت الجزائريون بالبرد والجوع هو ''تعد عن القيم الإنسانية ومحاولة خدمة مصالح انتخابية''· ويقول المواطن مراد (51 سنة) ''خطاب الرئيس جاء لخدمة النظام وضد القيم الإنسانية، لأن الشعب يموت بالبرد والجوع وليس هو وقت الحديث عن الانتخابات''· وقال مواطن آخر ''على بوتفليقة ووزرائه أن يأتوا لزيارة أعالي منطقة القبائل في هذه الفترة التي تتساقط فيها الثلوج، كي يفهموا ما معنى المعاناة الحقيقية التي يعيشها المواطنين''· أما الشيخ أحمد في 63 من عمره فعاد إلى الثورات العربية وحاول إسقاطها على خطاب الرئيس قائلا: ''النظام الجزائري لم يفهم بعد غليان الشعب ولم يتلق دروس الثورات الشعبية في الدول العربية''، ويضيف الشيخ سعيد في السبعين من عمره وجدناه يتصفح جريدة قائلا: ''أتوقع أن يؤثر خطاب بوتفليقة سلبا عن الانتخابات التشريعية، لأنه لم يكن في محله ولا في وقته، لاسيما مع تجاهله للكارثة الثلجية''· وفي هذا السياق صرح كل اللذين تحدثنا إليهم أنهم سيقاطعون الانتخابات: ''لا أنتخب في بلد يموت فيه أبناؤه بالبرد في صمت ورئيسه يتحدث عن الانتخابات ويتجاهل الضحايا''، حسب تعبير المواطن سليمان (49 سنة)· ويؤكد المواطن نور الدين (38 سنة) ''مقاطعة الانتخابات أصبح أكثر من ضروري، لأن النظام الجزائري تجاوز كل حدوده مع الشعب الجزائري، ولا يهتم إطلاقا بمعاناته اليومية ولا بالأحداث الاستثنائية''· أما المواطن فريد (29 سنة) فيقول: ''كل مواطن ينحدر من منطقة مستها الثلوج ينتخب في 10 ماي فهو فاقد للكرامة والشرف''، وهذا ما يقوله المواطن سليم (46 سنة): ''كل مواطن يريد أن يحافظ على كرامته وشرفه بمنطقة القبائل أن يقاطع الانتخابات، لأن منطقتهم منكوبة وعزلتها الثلوج، ولا أحد من المسؤولين تدخل، فنحن نموت ببطء في ظل غياب الكهرباء والأكل والدواء والتدفئة···''