قفزت فاطمة الفهرية التونسية من مدينة إلى مدينة، تتبع خطوات صحفية جزائرية من العصر الحديث، تسافر بحثا عن نماذج نسائية ناجحة، هو خلاصة الفيلم التحسيسي الوثائقي الموسوم ''من هي فاطمة''، المنجز من قبل مركز ''كوثر'' للمرأة العربية للتدريب والبحوث، الذي عرض أمام جمهور مهتم بفضاء ''ألف نيوز ونيوز'' مساء الإثنين الفارط. رحلة جميلة حققها الفيلم باستعراضه حكاية ''أم البنين'' أو فاطمة ابنة محمد بن عبدالله الفهري، رجل عربي قدم من فاس المغربية واستقر به المقام بالقيروان التونسية، رفقة ابنتيه :مريم وفاطمة .أحسن تربيتهما واعتنى بهما حتى كبرتا، فلما مات ورثته ابنتاه، ولتخليد ذكرى والدهما، أعادت ''فاطمة'' بناء مسجد القرويين، في عهد دولة الأدارسة في رمضان من سنة 245ه، وضاعفت حجمه بشراء الحقل المحيط به، وضمت أرضه إلى المسجد، وبذلت مالاً جسيماً برغبة صادقة حتى اكتمل بناؤه في صورة بهية .هكذا جاءت بداية الفيلم، تاريخية ساردة لحياة الشخصية الرئيسية التي سلط عليها الضوء في مركز ''كوثر''، التي ستكون الدليل للتعرف على شخصيات أخريات، كرسن حياتهن للغير، تماما كما فعلت ''فاطمة'' حينما سخرت مالها لخدمة الدين والعلم. جاء التعليق في لغة عربية شاعرية، كثيفة ومليئة بالمعلومات، وعلى ريتم سريع نوع ما، عجز بعص الحضور من اتباع مضمونه، رغم أهميته، لثقافته المفرنسة، أو تواضع درايتهم اللغوية .لولا أن تقنية السرد بالرسم المتحرك، شدت الانتباه، وأثارت الفضول، ودفعت المشاهد إلى مرافقة ''فاطمة'' التي خرجت من المخطوطات القديمة بمكتبة مسجد القرويين، إلى عالم اليوم تتبع خطوات الصحفية الجزائرية، التي تبحث عن نماذج إيجابية للمرأة في الجزائرتونس والمغرب :''قررنا العمل في هذا المنحى، بعد عملية سبر آراء شملت مجموعة من النساء، اتفقن على أنهن يرغبن في إبراز الجانب الإيجابي في المرأة وليس السلبي''، توضح سمية بن شيخ، مخرجة وناشطة في المركز، والمسؤولة على مشروع صورة المرأة السياسية في الوطن العربي، الذي بدأ في 2011 وينتهي قريبا السنة الجارية. قدم الفيلم، في 25 دقيقة، ثلاثة نماذج إيجابية نسوية، أولا خديجة كباج من المغرب الأقصى، وهي فنانة تشكيلية، تعمل على تطوير فنها من خلال المزاوجة بين التقليدي والمعاصر، وقد تحدثت عن اجتهادها في فرض ذاتها في الوسط الفني والعملي .ثانيا، الباحثة الأنثروبولوجية فائزة بن حديد، التي اختارت أن تتحدث عن نضالها في مجال حقوق المرأة أمام بناية قديمة في القصبة، واستهلت حوارها بالقول إن القصبة كانت تحجب النساء عن العالم الخارجي من وراء أسوارها وجدرانها العالية، وقد ظلت شهادة بن حديد في هذا الإطار ولم تخرج عنه، رغم توفر إمكانية الحديث عن رهانات أخرى وواقعية، أو استغلال والدتها المجاهدة التي كانت وارء تفوقها في الدراسة والعمل .في المثال الثالث، تنقلت كاميرا ''كوثر'' إلى تونس، ومشت بين أشجار زيتون المستثمرة الفلاحية يسرى بن عراب، التي تشرف على مصنع لزيت الزيتون وتصديره إلى الصين .ثلاث محطات، خاطفة وسريعة تركت المشاهد حذرا في تناول المعروض عليه كما هو .وقد أوضحت بن شيخ أن ''الفيلم صور قبل الثورات العربية، لهذا لم يتطرق إلى الدور السياسي للنساء في فترة الاعتصامات والمظاهرات، لكن ثمة برنامج تكميلي سيصور هذا الجانب لاحقا''، جدير بالذكر أن النموذج الموريتاني مغيب تماما في المشروع، الذي يعد في مخططه المستقبلي 21 مشروعا مماثلا .