تحدث الفنان عبد العظيم أحمد عبد القادر، الممثل، الكاتب والشاعر، عضو المكتب التنفيذي بإتحاد المهن الدرامية في هذا الحوار عن الحركة المسرحية بالسودان وتطلعاتها، كاشفا أهم محطات مسيرة المسرح السوداني، وداعيا فناني الجنوب للإتحاد من أجل الحفاظ على الإرث المسرحي السوداني. كيف هي الحركة المسرحية بالسودان؟ هناك إشارات تقول إن السودان عرف ظاهرة المسرح في الفترة التركية السابقة في القرن ال 19 عند قدوم رفاعة رافع الطهطاوي ليعمل معلما بالسودان وكمدير لمدرسة الخرطوم الأميرية، كان ينتقي أعمالا من مقامات الحريري ليقدمها للتلاميذ ضمن النشاط المسرحي، وارتبط أيضا وجود المسرح بفترة الاستعمار في فترة الحكم التركي، إلى جانب فترة الحكم الثنائي، حيث ظهرت بدايات التعليم الحديث والصحافة، وظهرت الثقافة الإنجليزية وارتبطت بالتعليم كما ارتبط أثناءها الشعر بالمسرح منذ البدايات، وذلك لتأصيل وتوطين المسرح وتناول موضوعات وموروثات عن التاريخ والأساطير، كما أنه ارتبط أيضا بالموسيقى والغناء والرقص كما عرفته تجربة مارون النقاش وأحمد شوقي. وكان للسودان تجربة ارتبطت بفن ''الدوبيت'' الذي ينشد مصاحبة آلة موسيقية، حيث ظهرت مسرحيات ''المك النمر'' وهي مسرحية سودانية، ''تاجوج''، ''خراب شعريا''... وهناك أشياء كانت ذات أهمية في بداية المسرح في السودان هي الترجمة والتعريب والسودنة، كما نقول، وهذا ما جعل المسرح يرتبط بشكسبير وموليير والمسرح الأوربي، والفضل يرجع إلى الرواد الأوائل لاهتماماتهم بالترجمة ليصبح المسرح في متناول الجمهور ومعرفة المسرحية وبنيتها دون أن ننسى تقديم المسرح العربي التاريخي، وهذا يجعلنا ندلف إلى مسرح الجاليات، وتدرج الحال إلى أن ارتبط المسرح بالتعليم عامة وبتعليم المرأة بصورة خاصة، وبمحاربة العادات الضارة كشعوذة والدجل ونبذ القبلية. وإن صح القول، فإن المسرح في إفريقيا ارتبط بالاستعمار وقضايا التحرر والنهضة واستلهام التراث الشعبي والأسطوري والطقوس والرقص، والغناء والموسيقى... وأخذ المسرح السوداني يتطور إلى أن ظهرت تجربة الأستاذ ميسره السراج، تحت جمعية التمثيل في عام 1938 التي كان لها دور كبير في تقديم العروض في المدارس والأندية، وسجلت رسميا تحت اسم فرقة السودان للتمثيل والموسيقى، وكان ذلك في سنة ,53 وقد قدمت المسرح بشكل حديث، وأدخلت العنصر النسوي وجعلت للفرقة قانون ودار خاصة بها. ماهي أهم الملامح والظواهر المسرحية بالسودان؟ المسرح بالسودان يتمتع بظواهر مسرحية متعددة وأشكال متنوعة، فهناك المسرح الشعري والمسرح الكوميدي الذي كان يمثله المرحوم فاضل سعيد. هذه الظاهرة المتميزة التي يشار إليها بالبنان في الوطن العربي، حيث كان بمثابة الممثل دريد اللحام بسوريا، فهو يعتبر من الشخصيات المشهورة، فمسرحه يدرّس بكلية الموسيقى والدراما بالسودان، كما أن أعماله المسرحية تقارن بأعمال ''دروتوفيسكي'' المسرح الفقير، لأن فاضل سعيد أوصل الجمهور إلى أقصى بقاع السودان، فهو شخصية أسست لمسرحها، إنسان محترف وشخصية كانت لها القدرة على التنوع على الخشبة، وأنا جد سعيد لأنني اشتغلت مع هذا العظيم الخالد بفنه وإبداعاته، هناك وجوه مسرحية متعددة أخرى لها باع طويل في حركة المسرح بالسودان .ومن ضمن الظواهر المسرحية التي ظهرت بالسودان عام 1976 مسرح الطفل الذي لعب دورا كبيرا، حيث كان موجودا، لكن متفرقا، إذ لم يكن تحت إشراف مصلحة ثقافية معينة، إلى أن جاء الدكتور عبد الحي الذي أنشأ مسرح الطفل والعرائس على يد خبراء وفنانين من رومانيا بمعية كلية الموسيقى والدراما، حيث اختاروا مجموعة من المسرحيين وأنشأوا مسرح العرائس الذي كان ينضوي تحت لواء أكبر الفنانين المسرحيين بالسودان، وقد شارك مسرح العرائس في العديد من المحافل الدولية منها الكويت والمغرب وليبيا، كما أتيحت لنا الفرصة للمشاركة بالجزائر خلال المهرجان المسرحي الإفريقي، وعملت أثناءها في ورشة مسرح العرائس مع الفنان قادة بن شميسة من مدينة سيدي بلعباس. كيف كانت المشاركة مع قادة بن شميسة؟ صراحة، الفنان بن شميسة قادة، فنان ذو مستوى رفيع، فقد تبادلنا معه الكثير من الخبرات، اشتغلنا مع بعضنا في ورشة متكاملة عادت بنتائج إيجابية على كل من المسرح السوداني ونظيره الجزائري، والأكثر أننا دعمنا صداقة بين الشعبين، وأنا أفتخر بها . ما هي أهم بصمات تطور المشهد المسرحي بالسودان؟ عرف المسرح السوداني والحركة المسرحية العديد من المهرجانات المهمة كمهرجان ''البقعة'' الدولي، ''أيام الخرطوم المسرحية'' الذي سوف يصبح مهرجانا دوليا هو أيضا، فإتحاد المهن الدرامية قام بفتح علاقات مهمة جدا لتدعيم الحركة المسرحية بالسودان، كما أنها ستفتح علاقات وشركات زكية مع كثير من الدول، ومن خلال الإتحاد نسعى لنصل بمسرحنا إلى كل العالم وإلى كل دولة عن طريق الأستاذ السيد، مسؤول العلاقات الخارجية بالإتحاد الذي يرأسه الأستاذ طارق البح.ر السودان مليء بالفنانين المسرحيين المتعلمين والمتخرجين من كليات الموسيقى والدراما، فمثلا السنة الماضية المحترف الأستاذ عادل حربي من السودان كان له عرض مسرحي رائع كثيرا، ما تفاعل معه الجمهور، وإن شاء الله سنكون مع الجزائر في كل محفًل. ما هي أهم الفرق المسرحية التي لها صدى كبير بحركة المسرح في السودان؟ كثيرة جدا، منها فرقة الأستاذ فاضل سعيد التي تعد من الفرق المسرحية في الطليعة، فرقة الأصدقاء التي تعتبر مدرسة قائمة بذاتها، فرقة السديم بمدينة المودودة، إلى جانب فرقة الأرض، فرقة أضواء المسرح وفرقة نجوم المسرح الكوميدي بقيادة الأستاذ محمد خلف الله. أما في ولايات السودان نجد أيضا العديد من الفرق في مدني والأبيض التي تطل على البحر الأحمر. وكيف هو حال المسرح السوداني اليوم؟ المسرح السوداني بخير، وهو الآن يشارك في المحافل الدولية، وقد وصل بمشاركته إلى دول عربية وحتى أوروبية، فأنا شخصيا شاركت ببعض أعمالي باستوكهلم السويد، وهناك مجموعة كبيرة شاركت في أمريكا وألمانيا، تلقت استحسانا كبيرا من الجمهور هناك، المسرح السوداني انتشر على مستوى العالم ومازال يؤسس للانتشار أكثر. ماذا عن خارطة أهم المسارح بالسودان؟ من أهم مسارح السودان هناك المسرح القومي بولاية الخرطوم، المسرح القومي السوداني بأم درمان، مسرح خذر بشير في مدينة بحري، مسرح الصداقة في الخرطوم، مسرح الصقر في دور السودان، مسرح عروس الرمال في مدينة الأبيض، مسرح الجزيرة في مدن.» في كل ولاية من ولايات السودان يوجد بها مسرح وتوجد فرقة مسرحية تفعل في المهرجانان. كيف هو خطاب النقد المسرحي عندكم؟ النقد المسرحي بالسودان يعتمد على متخرجين ودكاترة كلية الموسيقى والدراما على رأسهم الأستاذ هاشم صديق والأستاذ محمد شريف علي والدكتور فضل الله، والنقد هو مرآة للممثل، إذا كانت المرآة مصقولة تماما فهي تعطي الممثل القوة لإنتاج أعمال مسرحية جيدة، وإذا كانت مرآة النقد مخدوشة فهي بذلك تعطل الحركة المسرحية، لذلك لابد من حركة نقدية ولو كان العطاء قليلا. كيف ترى مستقبل المسرح بجنوب السودان؟ المسرح بالنسبة لي ليس له جغرافية واحدة، ففي جنوب السودان هناك الكثير من الإخوان درسوا المسرح في كلية الموسيقى والدراما، ومنهم من أصبح دكتورا في مجال المسرح، لذلك عليهم أن يجتهدوا في توحيد كلمة المسرح، فما فرّقته السياسة يمكن أن يجمعه المسرى. هل نفهم من ذلك أنك مستعد لتقديم أعمالك بالجنوب؟ في ظل السلام، وفي ظل جو المعارضة السليمة، فأنا أنطلق لأبدع مسرحا في دولة فلسطين وليس في جنوب السودان الشقيق، هذا هو المسرح أنتقل إلى أي دولة ولو كان فيها الاختلاف.