مرة أخرى يستفيق الشارع الكروي الجزائري على أعمال شغب كبيرة شهدها ملعب 5 جويلية بمناسبة ''داربي'' الكأس بين إتحاد العاصمة وإتحاد الحراش، حيث تحوّل العرس الكروي العاصمي إلى مشادات في محيط الملعب وفوق المدرجات، والنتيجة كانت -كالعادة- تكسير الكراسي وكل ما أتت عليه أيادي شرذمة من المناصرين بما فيها كاميرا التلفزيون الجزائري، التي تعرضت هي الأخرى للتحطيم، مما أدى إلى توقف بث اللقاء في شوطه الثاني وحتى نكون منصفين مع المتسببين في الفوضى التي غرق فيها ملعب 5 جويلية، ليلة أول أمس، حريّ بنا التذكير أن ما حدث لم يكن الأول من نوعه، ولن يكون الأخير، فقبل أحداث هذا ''الداربي'' تعرّض هذا الفضاء الكروي إلى التخريب في هكذا مناسبة. ولعل الكل ما يزال يتذكر الكارثة التي حلت بالملعب عقب عملية الترميم التي عرفها منذ سنوات والأموال الطائلة التي صرفت على مدرجاته التي جهزت بالمناسبة بكراسي جديدة تم جلبها من إسبانيا وهي تشبه تماما تلك التي يجلس عليها مناصرو برشلونة وريال مدريد. اليوم، ونحن نعيش سيناريو جديد لعملية التخريب المقصودة وغير المسؤولة التي طالت واحدا من بين ملاعبنا، الذي يتوفر ربما على مقاييس أمنية مقبولة مقارنة ببعض الملاعب الأخرى التي تمارس عليها لعبة كرة القدم ببلادنا، الكل عاود طرح السؤال الروتيني، كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد من الهمجية، وماذا فعل مسؤولو كرتنا لوضع حد لظاهرة ''الهوليغانز'' التي باتت السمة الغالبة على كل فضاءات الكرة في بلادنا، وكيف سيكون هذه المرة رد فعل المعنيين بالأمر حيال الحملة الهمجية التي طالت ملعب 5 جويلية. خرجة قرباج باطلة وكالعادة، كانت أصابع الاتهام موجهة أساسا إلى الرابطة الوطنية المحترفة التي تشرف على تنظيم اللقاءات، ومرة أخرى يخرج رئيسها محفوظ قرباج بتصريح على الساخن تطرق فيه إلى أحداث لقاء ''درابي'' الكأس، وشدد على أن الخسائر التي لحقت بالملعب سيتحمّلها جماهير الفريق، وهو إتحاد الحراش، وعلى مسؤوليه تعويض ما تم تكسيره أو إلحاق الضرر به. وبقدر الصرامة الكلامية التي تفوّه بها محفوظ قرباج، في التعبير عن سخطه الكبير حيال كل ما جرى، بقدر ما نسجل للمرة الألف بطلان كل هذه التصريحات التي تصدر من مسؤولي كرتنا على الساخن، التي لا تلبث أن تعرف نفس مصير سابقاتها، ونعني بالتحديد أنها سرعان ما تتلاشى ويبطل مفعولها بعد أيام، وأن ما ذهب إليه رئيس الرابطة المحترفة لا يعدو كونه عبارة عن ذر الرماد في العيون حتى لا ينهمر بكاء وحسرة على ما لحق بملعبنا الأولمبي. والثابت أن مسؤولي كرتنا ألفوا مثل هذه المواقف والتصريحات كلما برزت ظاهرة العنف والفوضى في ملاعبنا، غير أن تجسيدها يبقى غائبا مع الأسف الشديد. وحتى لا نظلم قرباج وكل من معه، علينا تذكيرهم بأمر مهمّ، وهو أننا ومعنا الجمهور الكروي لم يسبق لنا أن سمعنا أن فريقا ما تسبب مناصروه في أعمال الشغب تكفل بإعادة ترميم ما تعرض للتخريب، والدليل أن نفس جماهير فرق العاصمة عاثت فسادا بمدرجات ملعب 5 جويلية في العديد من المرات، ولم يدفع مسؤولوها أي سنتيم في عملية الترميم، وهو ما يجعل تهديدات رئيس الرابطة المحترفة عبارة عن كلام عابر لا يحوي في طياته أي إجراءات فعلية، وهو ما سنقف عليه لاحقا فيما يتعلق بما حدث هذه المرة. ملاعبنا تعاني الهاجس الأمني لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نتحدث عن شغب الملاعب والمدرجات دون أن نتناول موضوع الأمن، لأن التقاليد المتعارف عليها هو التواجد المكثف والمنظم لرجال الأمن في الملاعب والتنسيق المفترض أن يكون مع مسؤولي الرابطة ومديرية الملعب، غير أن الأحداث الأخيرة أكدت لنا بما لا يدع مجالا للشك، أن شرذمة المناصرين التي أقدمت على فعلتها لم تواجه أي ردع يذكر وتمكنت من القيام بعملية التكسير، وتطاولت هذه المرة حتى على كاميرا التلفزيون التي أتلفتها في سابقة خطيرة لم يشهد أي ملعب في العالم، حسب المعلومات التي بحوزتنا. إن المتعارف عليه أن في مثل هذه المقابلات المحلية التي تستقطب جماهير غفيرة، يتم عقد اجتماعات أمنية بين كل الأطراف المعنية من أجهزة أمن، الرابطة و... إلخ، وهذا لاتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون وقوع مثل هذه الأحداث خاصة إذا تعلق الأمر بمواجهات محلية بين جماهير المدينة الواحدة. ويبدو أن السهولة التي وجدها المشاغبون خلال عمليات التخريب التي قاموا بها أثبتت بأن الأمور فلتت من أيدي رجال الأمن، وإلا كيف نفسر كل هذه الخسائر التي مست مدرجات ملعب 5 جويلية والإتلاف الذي تعرضت له كاميرا التلفزيون الجزائري. الثابت أن ما جرى، ليلة أول أمس، يؤكد مرة أخرى بأن أزمة الأمن في ملاعبنا أصبحت حقيقة لا يمكننا تجاهلها أو محاولة إيجاد الحجج لتبريرها طالما وأنها تتكرر في كل مرة، وهو ما ينذر بأحداث أخرى قد تكون أكثر دموية من تلك التي عاشتها ملاعبنا لحد الآن.