كثيرا ما نفكر في الحياة ونصِفها بالقسوة·· بالإجحاف·· باللاعدل·· وغيرها من الأوصاف التي تترجم ألمنا ومعاناتنا أو حتى ردّة فعلنا القوية تجاه حالة ما، في لحظة ما· لكن هل سألنا أنفسنا يوما: ما هو اختبار هذه الحياة الأقسى وفكرنا فيه بهدوء؟ وهل سيمنحنا هذا الاختبار الفرصة لإنجاز وصف له أو حتى تسميته باسم ما؟ فمقابل مفهوم الحياة يوجد مفهوم آخر لا يمكن اختباره بسهولة ولا حتى التفكير فيه بشكل مجرد لأنه دائما محاطا بهالة مرعبة لا يمكن اختراقها إلا عندما تقرر الحياة الانسحاب ليحل محلها الخراب، الفناء، وأمور أخرى لا يمكن أن تترجم بكلمات لأنها أكبر من كل الكلمات·· إنه الموت·· المفهوم الأكثر رعبا وتعقيدا الذي كلما ادعينا فهمه أو حتى مجرد استيعابه وجدنا أنفسنا لا نملك سوى الإستسلام له بجهل أعمى، جهل حتى لمشاعرنا التي نقول أنها مجروحة، لكن في الحقيقة إن آلام أي جرح تبدو بسيطة بل تافهة أمام لحظة الفناء·· تلك اللحظة تقتلعك من جذورك وتزرعك في عوالم أخرى، عوالم من التيه والهذيان·· أنت لست أنت بدون من تحب، ما الذي ستفعله بطاقة الحب التي أنت توجهها نحو هدفك هذا وأنت تحضنه كل صباح وتعتقد أن الحياة مختبئة في ذلك الحب·· ثم في لحظة ما تقف عاجزا ممسكا به لتقول: أيتها الموت أنا لا أعرفك ولا أعرف المصير بعدك هيا خذي حبيبي وارحلي حيث لا أعلم واترك لي كومة تراب أجلس على طرفها أسترجع القليل من الذكريات إلى أن تلتهمني الحياة مجددا تضمد جراحي؟ هل تعتقدون أن هذه نهاية عادلة لأيام وليالٍ طويلة من الحب والإلتصاق بحبيب ما؟ وكيف سيكون الألم بتجربة مماثلة؟ هل يمكن استثماره وتحويله إلى طاقة تشق لنا طرقات نور في دروب الظلمة كما كنا نفعل عندما نتألم لتجارب سابقة، أم أن الألم في هذه المرة لا يمكن إلا أن يكون لهيبا يحرقنا مع كل نفس؟! نهاية هذا الأسبوع، فقدت الساحة الفنية الجزائرية والعربية السيدة وردة الجزائرية التي سجلت الكثير من الوقفات المضيئة مع الجزائر وقالت عشية الرحيل ''مازال واقفين''، وكان هذا عزاء واستشراف لكل من أحبوها لغد بغد أفضل، كما فقدنا وفي صمت قاتل المترجم الجامعي الرائع، الهادي، المهذب··· محمد يحياتن، دون سابق إنذار، في لحظة مماثلة لا يمكن إلا تقديم تعازي أسرة ''الأثر'' إلى كل من أحبوهما ونتمنى لهم تجاوز مرارة الفراق بيسر··