أُثارت القوانين التي أعلنتها وزارة التجارة بخصوص حظر تغيير النشاط التجاري خلال شهر رمضان، ففي الوقت الذي تلقاها التجار النظاميون بقبول جيد، على شرط تطبيقها بشكل صارم، أبدى التجار الموسميون، الذين يغيرون نشاطهم خلال الشهر الفضيل، أو أولئك الذين يشتغلون فقط خلال شهر رمضان امتعاضهم من هذا القانون، وأبدوا استعدادهم لخرقه متحججين بحجج مختلفة. ''الجزائر نيوز'' قامت بجولة في ثلاث مناطق من الوطن، وعادت بالروبورتاجات التالية. التجار الموسميون يكتسحون السوق الرمضانية .. أصحاب حرفة ''الزلابية'' يواجهون تجار المواسم ''زلابية بوفاريك معروفة عالميا، هناك أصدقاء مغتربون يطلبونها دوما''، هكذا بدأنا الحديث مع عمي الجيلالي، شيخ يناهز عمره السبعين عاما، دلنا عليه عمي عمر صديقنا البوفاريكي. في مقهى في قلب المدينة، جلس عمي الجيلالي يحكي لنا عن تدهور صناعة ''الزلابية'' في بوفاريك، بسبب الدخلاء الذين يفتتحون محلات موسمية في شهر رمضان فقط، دون مراعاة الكثير من شروط النظافة. يقول عمي الجيلالي ''أصبحنا نتفادى أكل الزلابية، لأنها باتت تشكل خطرا على صحتنا، خاصة في شهر رمضان حيث ينتشر التجار الموسميون، فالكثير منهم يستمرون في استعمال الزيت رغم فساده، وكذلك العسل التي لا يغيرونها إلا قليلا، في ظل غياب مصالح الرقابة وقمع الغش''. عمي الجيلالي يؤكد أن عدد المحلات التي تشتغل على مدار العام لا يتجاوز العشرين محلا، بينما يرتفع العدد خلال شهر رمضان إلى مائة محل، لا يملك الكثير منها ترخيصا للعمل. سألنا عمي عمر الذي يشتغل في نشاط آخر، عن المحلات التي تفتح في شهر رمضان، وعما إذا كانت محلات مغلقة بالأساس، أم تغير نشاطها، فأجاب: ''معظمها مغلقة بالأساس، في بوفاريك ليس لدينا محلات تغير نشاطها من بيع السجائر إلى بيع الزلابية كما في أماكن أخرى، الوحيدون الذين يغيّرون نشاطهم هم أصحاب المطاعم وهم مجرد قلة، حيث يفضّل الكثير منهم أخذ عطلة خلال شهر رمضان. أصحاب المحلات المقفلة يتلقون عروضا مغرية من أجل كراء محلاتهم خلال الشهر الفضيل، تصور أن محلا بمساحة أربعة أمتار مربعة قد يصل سعر كرائه إلى ستة ملايين سنتيم''، يضيف عمي عمر بلهجة من حسم خياره منذ فترة بعيدة ''نحن أبناء بوفاريك أصبحنا لا نشتري الزلابية منذ فترة، وفي تلك المرات القليلة التي نقتنيها، نشترط على البائع رؤية المواد المستخدمة، من زيت ودقيق وسكر وعسل. للأسف، لقد تحوّل بيعها إلى تجارة خالية من أية صنعة، الكل يبحث عن الربح''. كان عمي عمر يحدثني وفجأة أشار إلى حانوت على الطرف الآخر من المقهى، كان العاملون فيه يدخلون قارورات الغاز، وبعض التجهيزات، يقول عمي عمر ''هذا مثال على المباشر، هذا المحل مقفل طيلة العام، وهاهو يستعد لبيع الزلابية، أمر غريب عجيب''. سمعة منتوجات بوفاريك في خطر رافقني عمي عمر في جولة، وكانت البداية من محل الحلويات التقليدية لصاحبه إلياس، الحانوت الذي وقع تجديده بالكامل منذ فترة قصيرة ضمن برنامج تلفزيوني، الحانوت نظيف ويشتغل على مدار العام منذ أكثر من ثلاث وعشرين سنة، يقول مالكه ''إن الزبائن أبناء المدينة يفضلوننا على المحلات الموسمية، لكن الزبائن الذين يأتون من أماكن أخرى لا يمكنهم التمييز بين صاحب الحرفة والمتطفل عليها، نحن نصنع سمعة زلابية بوفاريك على مدار السنة، ليأتي بعض البزناسية ليفسدوها شهر رمضان''، وبدا إلياس فخورا بحانوته بالقول: ''انظر، كل شيء نظيف هنا، الأدوات والمواد الغذائية، الشربات التي نصنعها هي من ليمون طبيعي، ولا تحوي أحماضا أو ملونات''. وعما إذا تقدم بشكوى ضد من يشتغل في إطار غير شرعي، بدا إلياس غير مقتنع بجدوى الفكرة، يقول ''لمن تشتكي؟ لا أحد يستطيع إيقافهم، أفضّل أن نمنح نحن الصناع الحقيقيون، شهادات نعلقها على واجهات محلاتنا، تثبت أننا نملك تصاريح بالاشتغال، هكذا لا ينخدع زوار المدينة بالتجار الموسميين''. وعلى العكس، بدا أحد العمال بمحل ''شاكر'' الشهير، مقتنعا بالأطر القانونية التي تنظم سوق التجارة، حيث أجاب على سؤالنا عما إذا كان سيقدم شكوى بالتجار غير الشرعيين بالقول ''نعم، أقدم شكوى ضد التجار غير الشرعيين، هؤلاء لا يهمّهم سوى الربح، على حسابنا وعلى حساب سمعة المهنة''. وبدا العامل أكثر قلقا بخصوص صناعة الشربات، يقول: ''الشربات أكثر خطرا، لأن هناك من يستعمل حمض الستريك بدرجات عالية، وهذا يشكل خطرا على المستهلك، بعض المحلات أغلقتها مصالح الرقابة بعد تحليلها لعينات من الشربات التي كانوا يسوقونها''. لم يكن علينا البحث كثيرا لنجد محلات أغلقتها مصالح الرقابة، فعلى بعد أمتار انتصبت كوانين وقدور على الرصيف، في حالة متقدمة من الاتساخ، كان أصحاب المحل ينظفونه بعد أن أغلق بحجة غياب النظافة، هذه المحلات ستخضع لمراقبة إضافية قبل الترخيص لها مجددا بالعودة إلى العمل.