على وقع الميدالية الذهبية التي أحرزها العداء الجزائري توفيق مخلوفي، في مسافة 1500م، التقينا صاحبة هذا الاختصاص البطلة الأولمبية حسيبة بولمرقة، التي حاولنا معها التطرق إلى بعض المواضيع والنقاط المتصلة أساسا بالواقع الرياضي الجزائري بصفة عامة وألعاب القوى بصفة خاصة، بالإضافة إلى عدة محطات أخرى في مسيرتها الرياضية والسياسية. كيف عشت الإنجاز الذي حققه مخلوفي؟ أولا أهنئه على هذا الإنجاز الجيد والعظيم، وما قام به مخلوفي من إنجاز في لندن هو أكثر بكثير مما يقوم به سفراؤنا الموجودون في دول العالم، ومخلوفي يذكّرني بعمار براهيمية الذي اكتشفه وأتى به من سوق أهراس إلى العاصمة وتولى شؤونه خلال ثلاث سنوات إلى أن اختار المدرب الصومالي جمعة، وقولي هذا يؤدي به إلى طرح قضية وهي أن الذين يعملون في الميدان مثل براهيمية يهمشون ويأتون بأناس آخرين يتولون زمام الأمور ويفتقدون للكفاءة، وأنا أهنىء ثانية مخلوفي بفوزه ب 1500م لأنها اختصاصي وباتت اليوم اختصاصا جزائريا خالصا. هل كنت كعداءة تراهنين على هذا البطل؟ لقد تابعته في تجمعات الجائزة الكبرى مؤخرا وقد جرى بطريقة جيدة وحقق أرقاما من المستوى العالمي، وبالتالي كنت من بين الذين راهنوا عليه ولم أرد التحدث إلى وسائل الإعلام حتى لا تفرض عليه ضغطا نفسيا قبيل الأولمبياد، فأنا أظن بأن الميدالية الذهبية كانت مستحقة ومتوقعة. هل هذا يعني حسب رأيك أن ألعاب القوى بخير؟ إن فوز مخلوفي لا يعني أن ألعاب القوى في بلادنا وكذا الرياضات الأخرى بخير ولا يجب على أي مسؤول رياضي حالي أن يستغل نجاح مخلوفي، لأنه بكل صراحة نجاح شخصي لا يعكس واقع سياسة الوزير جيار، وهنا أقول «فيقوا فيقوا يا مسؤولين، فبلادنا تزخر بطاقات كبيرة، لا تنتظر سوى الاهتمام والصقل، ومخلوفي ما هو إلا عينة من هذه الطاقات». لقد غابت البطلة العالمية السابقة حسيبة بولمرقة عن المشهد الرياضي والإعلامي الجزائري، هل هو قرار شخصي أم إجحاف في حقك؟ في الحقيقة، أنا لم أغادر قط الوسط الرياضي والدليل أنني اليوم أشرف على مدرسة ألعاب القوى بقسنطينة التي تضم شبابا نتولى تربيتهم وتكوينهم، وقد بدأت ثمار هذه المدرسة تظهر، حيث شاركت عداءة خلال الشهر الماضي في بطولة العالم للأواسط في مسافة 1500 م و3000م التي جرت ببرشلونة. وبالعودة إلى السؤال، فقد كنا عرضة لإجحاف من الجميع بما فيهم المسؤولين والمجتمع المدني والإعلام. سبق لك أن تطرقت إلى التهميش الذي طالك من قبل السلطات الرياضية، هل مازلت تعيشين هذه العزلة؟ ما أريد الإشارة إليه هو أننا لا نملك أبطالا كثيرين، فهم يعدون على أصابع اليد، وبالتالي أرى أن الساسة اليوم يخافون من رموز الرياضة الجزائرية، وقضية تهميشنا ومسحنا من الساحة الرياضية هو أمر متعمد، وعلى رأسهم رئيس الجوق وزير الشباب والرياضة الحالي الذي لا يكنّ أي احترام ولا تقدير للذين رفعوا راية الجزائر عاليا وكتبوا اسمها، ودليل كلامي هو أن هذا الوزير تعمّد منذ أربع سنوات عدم وضع اسمي في قائمة الخبراء حتى أتمكن من دخول الجمعية العامة لإتحادية ألعاب القوى، وبالتالي المشاركة والمساهمة في تطوير وتعميم الممارسة عبر التراب الوطني. وما نراه اليوم من نتائج سلبية لا يفاجئنا في الألعاب الأولمبية بلندن التي كشفت جوانب سلبية كثيرة مثل سوء التحضير وتبذير المال العام... إلخ. برأيك، لماذا كل هذا الإجحاف وسوء المعاملة لشخصك؟ إن معاملتهم لنا سيئة جدا، وفي بعض الأحيان أتساءل إن كان هؤلاء المسؤولون جزائريون أم لا، صراحة إنني أشك في جزائريتهم، تصوّروا أنني كنت عضوا في اللجنة الأولمبية الدولية وانتخبت في ألعاب أطلنطا 1996، ولما جاءت دورة سيدني 2000 لتجديد اللجنة حرمني رئيس اللجنة الأولمبية الجزائرية مصطفى العرفاوي، كنوع من الحسد والأنانية، حيث أراد أن يبقى لوحده في هذه اللجنة الدولية ولا يريد رؤية جزائري ضمن أعضائها. ورغم أنني أبذل جهدا والجميع يشهد لي بأنني أملك شخصية ولديّ مواقف وأقول دائما كلمتي، فإني كذلك مازلت إلى اليوم أحب الرياضة وأعيشها بكل جوارحي من خلال متابعتي لكل الرياضات، خاصة هذه الأيام بمناسبة الألعاب الأولمبية بلندن، لكنني في الوقت نفسه أتألم لما وصلت إليه أمور رياضتنا وممثلينا في هذه الأولمبياد. كيف بدت لك المستويات التي قدمت لحد الآن في الأولمبياد خاصة ألعاب القوى؟ أستطيع القول إن المستوى العام تحسن، ولنبدأ بالمشاركة العربية، حيث تم تكسير بعض الطابوهات من خلال مشاركة المرأة السعودية والقطرية والإماراتية، وهذا بالنسبة لي يعد أحلى من التتويج، لأنها فعلا خطوة جرئية والتزام سياسي شجاع من طرف قادة وملوك هذه الدول. وبالنسبة لإفريقيا، فقد لاحظنا بعض الركود في بعض المسافات خاصة نصف الطويل منها، حيث تقهقر العداءون الكينيون، بالإضافة إلى تراجع نتائج الرياضات الجماعية الإفريقية واكتفاء السباح التونسي الملولي بالميدالية البرونزية، أعتقد أنني سأتوقف عند هذا الحد في حديثي عن المشاركة العربية والإفريقية، لأن وسائل الإعلام بمختلف أنواعها تفننت في إيجاد كلمات مثل الفشل، الخسارة والإقصاء للتعبير عن الإخفاقات المتتالية. أما المشاركة العالمية، فقد تميزت ببروز العديد من الدول بمستويات عالية وأبانت عن تطور مميز مثل نتائج رياضيي الكوريتين، اليابان، أزباكستان، كزاخستان، بالإضافة -طبعا- إلى الدول المعروفة بسيطرتها على الألعاب الأولمبية. بالعودة إلى النتائج الهزيلة للمشاركة الجزائرية، هل ترين بأنها كانت متوقعة؟ طبعا، لقد كانت متوقعة قبل بداية الألعاب، لأننا بصراحة يئسنا في هذه البلاد، وهنا أتذكر ما كتبه الزميل حفيظ دراجي في إحدى مقالاته بجريدة وطنية، حيث قال إن هناك بعض الشعوب لما تتكلم عندهم تموت، ونحن عندنا تتكلم حتى تموت ولا شيء يتغير، وهذا الكلام أو الحديث يجرني إلى القول إننا نحن الأبطال الأولمبيون والعالميون بعثنا منذ ثلاث سنوات برسالة إلى رئيس الجمهورية نددنا فيها بكل التجاوزات الخطيرة وهدر المال العام من طرف الأشخاص المسؤولين عن رياضتنا بعد أن فشلوا في مهامهم وحاذوا عن السلوك القويم، وهنا أقول إننا بادرنا بما يجب القيام به، غير أننا لم نتلق أي رد حتى من أبسط مسؤول في الرئاسة أو أي مستشار، حدث هذا الأمر خلال فترة تجديد الهيئة الأولمبية الجزائرية وما شهدته من اضطرابات. واستنادا إلى كل هذا أعود وأقول إن النتائج الهزيلة المسجلة اليوم في لندن كانت منتظرة من الجميع ماعدا الوزير جيار، الذي مازال يرى العكس، وكذا إطاراته، وأعتقد أن الثلوج قد ذابت وانقشعت الغيوم وظهرت الحقيقة كل الحقيقة، وأنا أتذكر جيدا أن نفس هذا الوزير سبق وأن صرح للإعلام عقب انتهاء الألعاب الأولمبية ببكين 2008 بأننا بصدد العمل على تشبيب المنتخبات التي ستكون جاهزة في أولمبياد لندن 2012، غير أننا نرى اليوم العكس، حيث حضرنا إلى مشاركة الوجوه نفسها التي حضرت إلى بكين وأغلبها تجاوز سن الثلاثين سنة، ماعدا القلة القليلة جدا ومنها رياضة المبارزة التي تضم مشاركة لا يتعدى سنها 14 سنة، في حين أن بقية المشاركين هرموا. لقد صرحت قبيل بداية الأولمبياد اللندني وانتقدت السياسة الرياضة المنتهجة حاليا في الجزائر، هل تعتقدين أن نتائجها الهزيلة كانت نتاج هذا الوضع العام؟ لقد قلت دائما وبكل شجاعة، وهذا منذ 2004، إننا لا نملك سياسة رياضية ولا يمكننا أن نواصل في هذا الطريق من خلال هدر المال العام وانتهاج سياسة البريكولاج، والغش والكذب على الشعب الجزائري وإيهامه في كل مرة بأنه لدينا منتخبات قادرة على تحقيق الميداليات والألقاب، فكل ما قيل هو افتراء لا يحمل شيئا من الحقيقة. إذا كانت نتائج بعض الرياضات جاءت عادية فإننا بالمقابل حضرنا إلى أفول أخرى على منوال ألعاب القوى؟ لعل السؤال الذي يمكننا طرحه اليوم على الوزير سي جيار هو كم كلفت تحضيرات الأولمبياد، وأنا أعلم جيدا وبالأرقام أن أغلب الإتحاديات تضاعفت ميزانياتها السنوية لتحضير الأولمبياد، حيث زادت أضعاف الأضعاف، وفي الأخير نضع الميزان، ونقول للسيد الوزير إن كانت سياسته صائبة أم خاطئة مع أنني على يقين تام بأنها كانت خاطئة منذ البداية. إذا طلبنا منك أن تعددي لنا أسباب تراجع ألعاب القوى في بلادنا، كيف يكون ردك؟ صراحة، إذا حاولنا الولوج في أزمة ألعاب القوى ببلادنا لوجدناها تفتقر إلى التحضير القاعدي والتكوين سواء فيما تعلق باكتشاف المواهب أو توجيهها وصقلها، وهذا لا يأتي إلا من خلال سياسة هرمية، في حين لا نستطيع في الوقت الراهن اكتشاف المواهب وتوجيهها، لأننا لا نملك أندية في بلدنا، ودليل ذلك أنا بطلة أولمبية ولم أستطع أن أجد ممول لفريقي بقسنطينة، فما بالك ببقية الأندية، وعليه أقول أين هي هذه السياسة الرياضية التي يتحدثون عنها، وأن ما حققته ألعاب القوى اليوم هو نتاج منطقي لواقعها. إن الجميع اليوم يتحدث عن العداء مخلوفي والمسؤولون اليوم يشبهون ذلك الغريق الذي يريد أن يمسك بكل شيء بهدف النجاة، فالميدالية الذهبية التي أحرزها مخلوفي لا يمكن اعتبارها نتاج السياسة الفاشلة المتبعة اليوم، حيث أنه تدرب بمفرده مع مدرب أجنبي من جنسية صومالية. هل يمكن تسمية فترة جيلك بالمنعشة والمزدهرة قاريا وعالميا؟ إن الفترة التي عشتها مع ثلة من الرياضيين أمثال نور الدين مرسلي أعتبرها فترة الجد وحسن السلوك والتربية والتقدير، حيث أن جيلنا كان متشبعا بحسن السلوك وحب الوطن، وهي المسؤولية التي كانت على عاتقه، وبالتالي فهو جيل أدى واجبه على أكمل وجه. هناك من يرى بأن فترة تواجد رعيلك من الرياضيين بالميادين كانت محظوظة بعدما استفادوا من إمكانات لم تعد موجودة اليوم، هل توافقيننا هذا الطرح؟ أستطيع القول إن حظ جيلنا الوحيد هو تزامن وجوده مع تطبيق سياسة الإصلاح الرياضي الذي شرع في تطبيقه في 1977 خلال فترة حكم الرئيس بومدين، حيث كانت فيه الفرق تابعة لمؤسسات وشركات عمومية وفق تسيير جيد من خلال دمج كل المواهب التي تظهر مباشرة في الأندية لتطوير طاقاتها خاصة في ظل تواجد مراكز التحضير من منشآت رياضية حديثة تنافس في ذلك الوقت نظيرتها في بعض البلدان الأوروبية على منوال إسبانيا، اليونان، البرتغال... إلخ. لقد كنا في تلك الفترة محترفين بأتم معنى الكلمة واليوم لا يمكنني إطلاق أي تسمية أو إنعات الوضع الحالي. هل ترين مثلا أن استفادة رعيلك من التربصات في الخارج ساهم في النتائج التي تحققت آنذاك؟ لا أضيف شيئا إن قلت إن جيلنا استفاد كثيرا من مجهودات دولة اسمها الجزائر، وهذا من خلال الاتفاقيات البروتوكولية التي أبرمت خلال تلك الفترة مع دول مثل بلغاريا، ألمانياالشرقية، تشيكوسلوفاكيا، رومانيا وكوبا... وكانت التربصات التي نجريها هناك يتم التخطيط لها جيدا، حتى أن الإتحاديات آنذاك لم تكن تملك حق التصرف مباشرة في الأموال التي تخصص لها، بل كان همّها الوحيد هو التطوير والتنظيم وتعميم الممارسة والتخطيط. وكانت الوزارة الوصية هي التي تتولى الأمور المالية والتجهيزات والعتاد الرياضي وتذاكر السفر والرحلات، وما نعيشه اليوم هو نقيض ما كان موجودا، حيث أن الإتحاديات أصبحت تركز على الجانب المالي والميزانية، وصرف الأموال وفكرة المحافظ المالي والمحاسب، وتركت وظيفتها الأساسية التي تكمن في التطوير والتكوين وتعميم الممارسة، وباختصار كل شيء أصبح بالمقلوب اليوم. إذا طلبنا منك تشخيص أسباب تراجع رياضتنا، ماذا تقولين؟ تحديدا، هناك أربعة عوامل ساهمت في تدني مستوياتنا وهي: 1 عدم وجود سياسة مناسبة ومخططة وفق متطلبات هذا الجيل. 2 غياب التزام سياسي من أعلى مستوى للأخذ بزمام القطاع الرياضي والنهوض به. 3 عدم منح الفرصة لجيل جديد من المسيرين يملكون الكفاءات التقنية. 4 لا توجد محاسبة في مسألة هدر الأموال بعد أن سادت سياسة اللاعقاب. ودعني أضيف شيئا، فلو كانت الأمور تسير على ما يرام ما كانت حادثة سرقة العتاد الرياضي من طرف لاعبتين من منتخب كرة الطائرة للإناث تمر هكذا، بل القضية كانت ستصل إلى العدالة مع إقصاء جميع المتورطين مدى الحياة من المنظومة الرياضية ليكونوا عبرة للجميع. إذا سلمنا بالقول إن هناك عوامل بشرية وأخرى مادية أوصلتنا إلى هذا المأزق، أيهما أثر في الآخر؟ بطبيعة الحال الجانب المالي مهمّ وكل المسؤولين في الدولة يؤكدون اليوم أن ميزانية الرياضية ضعيفة جدا مقارنة مع ميزانيات بعض القطاعات الأخرى، والقليل الذي سخر لقطاع الرياضة مسير بطريقة عشوائية وارتجالية، والمشكل الأساسي اليوم يكمن في العنصر البشري، ومتى تمكنا من تكوينه فإن هناك العديد من الأشياء تحل بطريقة أتوماتيكية، إننا نعيش اليوم ما عاشه شعبنا خلال الفترة الاستعمارية من خلال سياسة «فرّق تسد» واليوم وزير الشباب والرياضة عاجز عن لمّ شمل الأسرة الرياضية وإنهاء كل الخلافات الموجودة بينها ووضع كل واحد في مكانه الطبيعي. دخلت البطلة حسيبة أروقة السياسة في بعض فترات حياتها قبل أن تختفي، كيف كانت التجربة؟ باختصار، لقد حاولت أن أساهم بآرائي حتى وإن كانت بسيطة في عالم السياسة، لأنني على يقين أن السياسة هي التي تحكم كل شيء في الجزائر بما فيها الرياضة، ولهذا أردت أن أخدم الرياضة في المنبع وليس في آخر الوادي. ماذا تغير في حياة بولمرقة منذ أن اعتزلت الرياضة واقتحمت عالم الأعمال؟ والله، الشيء الذي يؤسفني هو أننا نعيش في مجتمع (دولة وشعب وحكومة) يعتمد سياسة أو ثقافة النسيان، وأنا أطلب من الشباب والرياضيين أن يكونوا استثنائيين، لكن في الوقت نفسه يجب أن تكون لهم حياة استثنائية، ولهذا قلت في جريدة وطنية خلال الأسبوع الماضي لكي يكون لدينا رياضيين استثنائيين يجب أن يكون لدينا مسؤولين استثنائيين، نحن اليوم نتألم في صمت وربحنا الذهب للجزائر، وها نحن نموت في صمت رهيب، وماذا عساني أن أقول هذه هي الجزائر. لماذا لم تختر حسيبة خيار البقاء في الرياضة وممارسة التدريب مثلا؟ هناك الكثير من مسؤولي رياضتنا لم يغفروا لنا نجاحنا وظلوا يتربصون بنا في كل مرة وخلال كل المناسبات، لذا أي شي نود القيام به سواء في حفل التدريب أو التسيير أو أي عمل له علاقة بالرياضة سنجدهم بالمرصاد، لأنهم ببساطة يمثلون رمز الفشل والفساد، ونحن رمز النجاح والمثابرة وكلتا الصورتين لا يمكن لهما أن تتماشا مع بعض، ولهذا فكل الأبواب موصودة اليوم في وجهنا وكم من واحد منهم يتمنى تشييع جنازتنا. هل هناك أمنية لم تحققها البطلة حسيبة؟ لقد حققت الأهم، فكم من رياضي شارك في الألعاب الأولمبية ولم ينجح، ثم إنني عندما أحقق الألقاب والميداليات فهذا يمثل انتصارا كبيرا لي كرياضية لشعبي وبلدي، فأنا أديت واجبي والآن حان الوقت لكي يؤدي الآخرون واجبهم. ما هي أحلى لحظات حياتك؟ في الحقيقة، هناك العديد من المحطات الحلوة، وبالنسبة لي كل ميدالية ولقب له حكاية، وبالتالي الشيء الوحيد الذي أقوله هو أن كل الميداليات جاءت بعد تضحيات لامتناهية، وبالتالي فهي كلها حلوة ولها طعم خاص لديّ. وماذا عن أسوأ ذكرياتك؟ - دون تردد أقول إن أسوأ ذكرى كانت يوم اعتزالي اللعبة، حيث لجأت إليه مرغمة بسبب ما تحدثت عنه آنفا. لم تمر ألعاب لندن دون أن تعيد الحديث والجدل حول ظاهرة المنشطات خاصة بالنسبة لرياضيي المغرب العربي؟ لقد أصبحت ظاهرة أو آفة المنشطات مثل نسيج العنكبوت، هناك من يتمكن من اجتياز خيوطه وهناك من يقع في الفخ. وبالتالي تأكله العنكبوت. ما أستطيع قوله هو إنه علينا الرجوع إلى الوزارة الوطنية التي لم تأخذ هذا الملف بجدية ولم تعمل على محاربة المنشطات وتوعية المحيط عامة، وبالتالي فهي تتحمّل المسؤولية كاملة، وفي هذا الصدد هناك دول قامت باستحداث قوانين عبر وزارتها وطبقت بطريقة ردعية، من يتناول المنشطات ويقوم بها ويساعد على تعاطيها، وقد وضعت هذه العقوبات في نفس إطار عقوبات تناول المخدرات والمتاجرة بها، ويبقى سؤالنا ماذا فعل الوزير في هذا الإطار، بصراحة لا توجد سياسة ولا توعية ولا مخبر ولا حتى تعليمة للإتحاديات والرابطات تتضمن فحوصا مباغثة، إذ بالإمكان تحويلها إلى المخبر التونسي المعترف به من طرف اللجنة الأولمبية الدولية لكشف العينات، وبالتالي التصدي للظاهرة التي باتت تمس سمعة الجزائري والوطن. والألعاب الأولمبية على وشك الانتهاء تبقى القبضة الحديدية مستمرة بين الوزارة الوصية واللجنة الأولمبية الجزائرية، إلى أي مدى أثرت الخلافات على نتائجنا في لندن؟ أعتقد أن المشكلة بدأت منذ نهاية ألعاب بكين 2008 وبالضبط خلال فترة تجديد هياكل الاتحاديات، حيث صدر في تلك الفترة المرسوم الوزاري الذي يحدد عهدة رؤساء الإتحاديات، وقد تم ضبط ذلك المرسوم بطريقة غير مدروسة وتطبيقه تم كذلك بطريقة سيئة وارتجالية، حيث قام الوزير آنذاك بتعيينات وليس انتخابات، وبالتالي أصبح هذا الأخير يضغط كيفما شاء على أي إتحادية بما فيها اللجنة الأولمبية، لأن مكتبها التنفيذي يتكون أغلبيته من رؤساء الإتحاديات، وبالتالي أراد وزير الشباب والرياضة إقصاء الرئيس الحالي للجنة الأولمبية رشيد حنافي بطريقة ملتوية، والجميع يعلم خرق الهاشمي جيار في التعامل مع الأمور، وبالتالي فإن ما خلصت إليه أنا شخصيا هو أننا أصبحنا ننتج المشاكل عوض تفاديها، وإن أتت بطريقة فجائية وعفوية نحلها بطريقة موضوعية بما يخدم الرياضة والمصلحة الوطنية، كل ما أتمناه أن تجري أشغال الجمعية العامة للجنة الأولمبية التي ستنعقد شهر سبتمبر في هدوء وأن يستدرك الجميع أن سبب فشل رياضتنا في الأولمبياد هو هذه المشاكسات والأحقاد التي أصبحت ثقافة انتحارية بامتياز. كيف استقبلت إقصاء العداءة زهرة بوراس إبنة مدربك عمار بوراس؟ لقد تلقيت الخبر كالصاعقة، لأنني أعرف زهرة منذ أن كانت طفلة ووالدها ليس بالشخص الغريب عني، لأنه أخي وصديقي ومدربي وتربطني به صلة وعلاقة أخوية وحميمية، وبالنسبة لي فمدربي السابق عمار بوراس هو ضحية هذه السياسات الفاشلة في الرياضة، وإني أعرفه كونه مدرب مخلص ونظيف، وليس من الذين يغشون، فقد تعاملنا مع بعضنا لمدة 12 سنة، وكنا دائما نتدرب بطريقة جادة واحترافية، وما يحزن في قلبي هو كيف أنه يخدع هو وابنته بهذه الطريقة الساذجة والمتوحشة، لأن المادة التي وجدت في تحليل زهرة لم تعد تستخدم منذ الثمانينيات، وما أستطيع قوله هو أنها مؤامرة حيكت ضده لتكسيره كمدرب عملاق في عالم ألعاب القوى وضد ابنته التي تملك طاقات كبيرة، تستطيع أن تذهب بها بعيدا مستقبلا. أتمنى أن تطوى هذه الصفحة في أقرب وقت، لأن زهرة ما تزال يافعة وشابة وليس لها النضج الكافي لمعالجة مشكلة كبيرة كالتي حدثت لها وفي مجتمع جزائري لا يرحم، أتمنى كذلك أن يوفق والدها في معالجة هذه القضية والحفاظ على نفسية ابنته زهرة. نترك لك الكلمة الأخيرة... أولا، شكرا لجريدة «الجزائر نيوز» التي كانت دائما حاضرة مع الرياضيين الجزائريين، وأتاحت لي اليوم الفرصة في هذه الأمسية الرمضانية لأتحدث من خلال أعمدتها إلى الجمهور الجزائري وأتمنى للجميع رمضان كريم وعيد مبارك سعيد وحظا سعيدا لبقية البعثة في لندن.