هل يمكن ضبط بروفيل مستعمل الفيسبوك الجزائري بالنظر إلى التفاعل السريع والكثيف للحدث السياسي أو الرياضي أو الاجتماعي؟ علينا أولا أن نحدد خصوصية المواطن المتعامل مع شبكة التواصل فيسبوك، فالجزائري انتقل من مرحلة العزلة الإعلامية والسياسية في التعاطي مع الأنباء إلى مرحلة التفاعل مع الحدث السياسي، لينتقل فيما بعد إلى مرحلة ثالثة طبعتها موجة ما يسمى بالثورات العربية. هذه المحطات الثلاث العزلة- التفاعل- الشراكة، جعلت المواطن جزءًا من تصميم الخبر. فالمواطن العادي في ظل الانغلاق الكلاسيكي أصبح يمارس عمله السياسي بطريقة غير مؤسسة من خلال الفيسبوك. ثمة دراسات صنفت المستعملين عمريا، كيف ترى التصنيف من جهتك؟ نحن نتعامل مع ثلاثة فئات أساسية تنشط في فضاءات مختلفة هي: فضاء تفاعلي، فضاء مؤسسي ينشط فيه النخبة والإعلاميين، وفضاء للقطيعة السياسية. أما التفاعلي فالمتحركين فيه من المواطنين العاديين، من أصحاب المستويات التعليمية البسيطة والمتدنية حتى. يشكلون مجتمع تواصل يطرحون فيه قضايا سياسية ولكن بشكل بسيط للغاية. أو بتعبير آخر هو المستوى الشعبي للنقاش، يستعمل فيه لغة تواصل تتماشى والتحليل السياسي الشعبوي. وهم فئة يستغلون وجود فرصة إلكترونية تواصلية لتقديم رؤية يرون أنها صادقة، إلا أن هدفها ليس عميقا ويقتصر على التنفيس. فمثلا تنغمس هذه الفئة في موضوعات كانت حكرا على المختصين، كتعيين الحكومة الجديدة مؤخرا، حيث لم يحللوا برنامجها القادم بل اكتفوا بالتعليق على الأسماء. الفئة الثانية فهي الباحثة عن بديل للكيانات السياسية الرسمية والتقليدية، وهم عادة نشطاء إعلاميون وحقوقيون وأساتذة الثانوي وجامعيين. لهم فضاء جديد يوازي الحزب أو النقابة الفيسبوكية، وهي فئة تدرك أن منبرها لا يضاهي المنابر الرسمية، إلا أنها تسجل ملاحظاتها وتريد أن تكسر شوكة المؤسسات الكلاسيكية. ونلاحظ في المدة الأخيرة أن هذه الفئة بدأت تشكل قوة ملموسة، من خلال الأحزاب والنقابات والتنظيمات التي فتحت النقاش على جدار الفيسبوك في مختلف القضايا الراهنة. الفئة الثالثة وهي التي انتقلت إلى فضاء الشراكة، فتتعامل مع الفيسبوك كفضاء للقطيعة السياسية، لأنها لا تثق في نظام الحكم، وتشعر بوجود فجوة عريضة بين الطبقة السياسية والشعبية، ففضلت الانعزال السياسي. عكس الفئة الأولى تعتزل الفئة الثالثة النقاش، وتركز عملها على إثارة الإشاعات ونشر الأخبار الكاذبة، وجس نبض المتلقين، وإثارة الجدل في قضايا متعددة. هل يمكن اعتبارها قوة فيسبوكية بالنظر إلى وجود أكثر من ثلاثة ملايين مسجل على الشبكة؟ لا أعتقد أننا بلغنا هذا المستوى، فهناك ثلاث عقبات تحول دون وصفها كذلك. إذ ليست العبرة في الكم أو المسجلين في الفيسبوك، بل في مدى تحقيق الأهداف في حد ذاتها. في مصر، تحول الفيسبوك إلى وسيلة لصناعة الإعلام، وبات الخبر يصنع الحدث، الكل أصبحت له غايات مشتركة. العقبة الثانية في الحالة الجزائرية، هو أن الفيسبوك مشتت ويعاني فوضى فيسبوكية كبيرة، ليس هناك هدف جمعي أو عام، خاصة من خلال الفئات الثلاث. العقبة الثالثة فهي تقنية وتتعلق بمدى تحكمنا في وسائل الاتصال الحديثة، وكيف تفاعلنا مع الظواهر الجديدة التي ولدتها ثورة الاتصال.