تحتل السيدات الأولى، أي زوجات الرؤساء أو شريكات حياتهم مكانة مرموقة في بلادهن، هذه قاعدة عامة ولكنها تكتسب قدرا من الخصوصية عندما يتعلق الأمر بالولاياتالمتحدةالأمريكية، فما هو الدور الحقيقي للسيدة الأولى في البيت الأبيض وما هي حقيقة نفوذها؟ ندعوكم في هذه الحلقات للغوص في كواليس البيت الأبيض عبر دور زوجات الرؤساء الأمريكيين وذلك انطلاقا من «مارتا واشنطن» زوجة الرئيس جورج واشنطن وحتى ميشيل أوباما، زوجة الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما. كانت غريس مدللة والديها، اللذين لم ينجبا غيرها عام 1879، إذ وفر لها والدها المهندس الميكانيكي ومفتش البواخر حياة مرفهة، كما أفرطت والدتها لميرا في تدليلها. وفي سن الرابعة ستغادر غريس مدينة بيرلنوتون بفيرمونت للمكوث عند أسرة يال في نورثمبتون بولاية ماسشوسيتس حتى تتمكن والدتها من رعاية والدها الذي أصيب في حادثة خطير. ظلت غريس مدة سنة عند أسرة يال، وتغيرت طباعها كفتاة مدللة بفضل مرافقتها للآنسة جوان يال المعلمة بمدرسة كلارك للصم حتى أن الصغيرة غريس قررت أن تحتذي بالآنسة يال في كبرها بعد عودتها إلى والديها. وبعد تخرجها أرادت تحقيق حلم الطفولة فتوجهت إلى نورثمبتون عند عائلة يال، حيث بدأت تعطي دروسا للأطفال الصم بمدرسة كلارك. في ربيع عام 1905 التقت غريس بالمحامي كالفن كوليدج من فيرمونت، لكن والدتها عارضت هذه العلاقة لأنها وجدت كالفن لا يناسب ابنتها. أصرت غريس على كالفن كزوج للمستقبل بعد أن وجدت أنهما يتقاسمان أشياء كثيرة، وتم الزاوج في خريف عام 1905 في منزل أسرة غريس رغم أنف والدتها. أحب كالفين زوجته وعشق أناقتها وحبها للأسرة وابتسامتها وروحها المرحة، وكانت لا تناقشه فيما لا يحب حتى أنها أذعنت لعدم رغبته في تعلمها السياقة، وكثيرا ما كان ينتقد سوء طهيها بالفكاهة. عرفت السيدة كوليدج بعشقها لرياضة البيزبول، وكانت ممارسة جيدة لها، ووصفت ضرباتها بأنها أحسن مما يفعل الرجال أنفسهم. وكثيرا ما شوهدت تدخن، لكنها حرصت ألا تلتقط لها أي صورة وهي تمسك سيجارة. إكتملت فرحة آل كوليدج حين رزقا بطفلين: جون عام 1906، وكالفن جونيور عام 1908، وسخرت غريس جل وقتها لرعاية أسرتها الصغيرة بعيدا عن السياسة التي انخرط فيها زوجها. وعندما أصبح كالفن حاكما لبوسطن ظلت غريس مع ولديها بفيرمونت، وكانت تقضي وقت فراغها في تعلم التزلج على الجليد والرقص والعزف على البيانو وأيضا في تربية الحيوانات الأليفة، وخاصة الكلاب، دون أن تنسى مسؤوليتها كإدارية بمدرسة كلارك. وعند دخول الولاياتالمتحدةالأمريكية الحرب العالمية الأولى انخرطت غريس في الصليب الأحمر الأمريكي لتقديم الإسعافات الأولية للجنود الأمريكيين الجرحى. دائرة الضوء في 2 أوت 1923، وجدت غريس نفسها في دائرة الضوء حين أصبحت السيدة الأولى الجديدة، وبقدومها أشاعت الفرح داخله بروحها المرحة، وحتى نقاشاتها مع الرئيس كانت مرحة. وخصصت في حديقة البيت الأبيض ركنا خاصا بحيواناتها الأليفة من العصافير والببغاوات والكلاب أيضا. في 7 من جويلية 1924 فجع آل كوليدج بوفاة كالفن جونيور جراء تسمم حاد في الدم، لكنهما تجاوزا مصابهما بوجود ابنهما الأكبر جون. كان أكبر تحدٍ يواجهه آل كوليدج هو الانتخابات الرئاسية لعام 1924 التي فاز بها كالفين بسهولة بفضل زوجته غريس، التي كسبت قلوب الناخبين بأناقتها وروحها المرحة، وقيل إنه لولا رقابة زوجها لكانت أكثر دينامية. في عام 1927 ضاعت السيدة الأولى وحارسها الخاص بمنطقة بلاك هيل خلال جولة صباحية، وبعد بحث مضن تم العثور عليهما، فكان أن صب الرئيس جام غضبه على حارسها وأقاله من مهامه، وهو ما أغضب السيدة الأولى فقامت بزيارة حارسها وأسرته ضد رغبة الرئيس. وقبل انتهاء مهامها كسيدة أولى طلبت غريس من الكونغرس، في سابقة من نوعها، سن قانون لحماية محتويات البيت الأبيض، وقامت بجرد أشيائه الثمينة. واعتبرت غريس أن أهم انتصار لها كسيدة أولى تخصيص دعم مالي لمدرسة كلارك للصم قدره مليونا دولار. كما التقت بهيلين كيلر، وهي تعتبر أحد رموز الإرادة الإنسانية، حيث إنها كانت فاقدة السمع والبصر، واستطاعت أن تتغلب على إعاقتها وتم تلقيبها بمعجزة الإنسانية. ما بعد البيت الأبيض عند انتهاء مهامها كسيدة أولى ودعت غريس كوليدج الشعب الأمريكي عبر أثير الراديو بعبارة: غودباي، أي وادعا. وفي عام 1933 أصيب كالفن كوليدج بأزمة قلبية أدت إلى وفاته، وبدا الحزن الشديد على وجه غريس خلال حفل تأبينه. وبعد أن تجاوزت محنتها بدأت غريس تنشر مقالات في بعض المجلات، وقامت برحلة إلى أوربا، ثم عادت لتعتني بأحفادها دون أن تنسى حبها لرياضة البيزبول، وكانت تتابع مباريات فريقها ريد سوكس لمدينة بوسطن عبر أثير الراديو. في صباح عام 1957 أسلمت غريس الروح في نفس اليوم والشهر الذي توفي فيه ابنها الأصغر كالفن جونيور.