كان جمهور سينماتيك الجزائر العاصمة، سهرة أول أمس، على موعد مع العرض الأولي لفيلم “تماما مثل امرأة" للمخرج الفرانكو جزائري رشيد بوشارب. بحضور الممثلة شافية بودراع التي أسدي لها دورا ثانويا وغير محوري في المغامرة التي قادت كنتها “مونى" إلى الهروب من البيت في شيكاغو رفقة “مرلين". دراما كوميدية أمريكية رافع فيها بوشارب قضية المرأة وعبرها حياة المسلمين في أمريكا. افتتحت سهرة أول أمس، فعاليات الأيام السينمائية بالجزائر العاصمة (14-19 أكتوبر)، في طبعتها الثالثة على التوالي، بحضور سينمائيين محليين وأجانب سيشاركون في مسابقة الفيلم القصير، وكذا لتنشيط ندوات حول المراة والكاميرا ناهيك عن السينما والثورة. كان “تماما مثل امرأة"، الفيلم الافتتاحي لهذه الفعالية الفنية، حيث حظي المشاركون بمتابعة آخر أعمال رشيد بوشارب بعد إقامته في الولاياتالمتحدةالأمريكية وقراره الخروج من فرنسا بعد تجربة “الخارجون عن القانون". لهذا جاء الفيلم بنكهتين متشابهتين أساسها أن المخرج وإشكالية عمله تقاربان مفهوم الحلم الأمريكي من وجهة نظر شخصية من أصول عربية، وضمن سياق ما يعرف بالإسلاموفوبيا، والإرهاب الإسلاموي، والهجرة الكبيرة التي سجلتها الأراضي الأمريكية من قبل جالية عربية استقرت واشتغلت وكونت أسرا هناك. مثل أسرة “مراد" (رشدي زام) الذي يعيش رفقة والدته (شافية بودراع) وزوجته “مونى" (غولشيفث فرحاني)، ثلاثتهم يديرون متجرا صغيرا في قلب المدينة، إلا أن الزوج لم يتخلص من سطوة الأم، وبقيت هذه الأخيرة تمارس دور “العجوز" القاهرة لكنتها. خاصة وأن هذه الأخيرة لم تتمكن من إنجاب طفل بعد خمس سنوات من الزواج. في غمرة الصراع العائلي الجزائري، تعيش في الناحية الأخيرة “مرلين" رفقة زوج عاطل وسكير، تجتهد في إرضائه رغم كل شيء، قبل أن تكتشف خيانته لها. مرلين تمارس الرقص الشرقي، وتسعى إلى احترافه على أكبر المنصات، وستقرر بعد خيبة أملها، الرحيل للمشاركة في إحدى المسابقات. في الطرف الآخر، تقترف “مونى" خطأ يتسبب في موت أم زوجها، فتهرب بدورها من العقاب، لتلتقي في طريق الطويل بصديقتها “مرلين". تبدو القصة معهودة وعادية بالنسبة للأعمال الأمريكية ذات المضمون الاجتماعي. فبوشارب لم يذهب بعيدا لصيد فكرة السيناريو، رغم أنه رسم لنفسه مسارا نحو إشكالية علاقة الغرب بالعالم العربي والإسلامي. إلا أننا لم نلمس في العمل اللمسة العربية التي تبرز الصراع والجدل حول مسلمو أمريكا، لولا مشهد سائق الطاكسي الباكستاني الذي يتعرض لطعنة خنجر من قبل زبون، بعد أن عرف أنه مسلم. ويظهر بوشارب كيف يتعرض الضحية إلى مساءلة غريبة من قبل الشرطة في محاولة لاتهامه بالتحريض والتحرش. ظهور شافية بودارع في أول “عمل أمريكي" لها، لم يكن بالحجم المنتظر للفنانة، إذ ضغط النص على شخصيتها كثيرا، فأرداها ضئيلة غير مؤثرة رغم أنها السبب الأول لخروج “مونى" من الوصاية الزوجية. إذ كان واضحا أن بوشارب كان يمكن أن يعوض بودراع بممثلة أخرى، دون حدوث خلل أو تغيير في مجرى القصة، أصلا بدت السيدة شافية بزيها الإسلامي “عنصرا شاذا" في المشهد. ولم نفهم هل العائلة جزائرية أم مغربية أم هي مثال لعائلة عربية وكفى؟ كما يصعب تبرير ظهور رشدي زام في العمل، بالنظر إلى حجم فعاليته في السيناريو. استقر رأي بوشارب على الممثلة الهندية الصاعدة غولشيفث فرحاني (29 عاما)، عمرها الفني تسع سنوات، لتجسد دور المرأة العربية المقهورة الساعية إلى التحرر، خاصة على أرض “الحلم الأمريكي" كما راهن على رشاقة سيينا ميلر (مرلين)، التي تشق طريقها الفني بثبات وهي في العقد الثالث من عمرها. فوكلاهما شخصيتين متحررتين، ويمثل الرقص الشرقي بالنسبة لهما الحلم المشترك، ونقطة التقائهما، رغم الاختلافات الدينية والاجتماعية والقيمية. فالمخرج لم يركز عمله على الرقص، ومدى إتقان الممثلتان له، بقدر ما أراد القول إنه حتى في الغرب يحلم الناس بالشرق، وتلتقي الموسيقى الكوبيو مع نوطات عمرو دياب ودحمان الحراشي، ولكن بعيدا عن الإسلام الذي حطم برج نيويورك للأعمال في 2011. رغم هذا الرهان، لم نر عمق الشخصيتان، وبقينا رفقتهما نعايش سطحية مغامرتهما، خاصة بالنسبة ل “مونى" التي كانت بعيدة عن كنه المرأة العربية، ولم تتخلص من أصولها الهندية في الفيلم شكلا ومضمونا. صورت المغامرة النسائية على الأرض الأمريكية، على طريقة “راوود موفيز"، وسط ديكور طبيعي جميل، ودخلت كاميرا بوشارب، محميات الهنود الحمر، وقطع الطرق السريع صوب “سانتا في"، وجاءت المشاهد في لقطات كبيرة وبانورامية، عكست رومانسية القصة، ونقلت المشاهد إلى إمكانية وجود حلم أمريكي جديد يوقعه عرب وأمريكان على نفس الأرض.