بعد الكارثة التي خلفها تساقط الأمطار، أول أمس، بفعل تراكم المياه في شوارع وأزقة الجزائر العاصمة، وما خلفته من تذمر واستياء لدى الراجلين والسائقين على حد سواء، بدت لنا أمس الأوضاع جد عادية بعد أن توقف هطول الأمطار وتدخلت المؤسسات والجمعيات المكلفة بصيانة الطرق والبالوعات، غير أن ذلك لا يعني أن الأزمة قد زالت إلى الأبد.. إذ بمجرد أن تعود الأمطار ستبرز العيوب الموجودة في آليات صرف المياه، وهو ما وقفنا عليه ونحن نجوب بعض شوارع العاصمة على منوال نفق حسيبة بن بوعلي الذي أحدث فوضى مرورية أنهكت كاهل كل من حاول المرور باتجاه ساحة أول ماي. نفق لا يتوافر سوى على بالوعة في المنحدر لا يجد المرء صعوبة كبيرة، وهو يتفقد حال نفق حسيبة بن بوعلي لاكتشاف العيوب التي توجد به، حيث لا يتوافر سوى على بالوعة واحدة تقع في مكان منحدر. وبالنظر إلى موقعه، فإن كل المياه التي تتجمع بقاعه لم يجهز لها منافذ الصرف. وما يفسر إلى حد كبير البحيرة التي تكونت نتيجة الأمطار الغزيرة التي تساقطت في 48 ساعة الماضية، والتي تم على إثرها قطع الطريق أمام حركة المرور، أول أمس. ولئن كانت الحركة قد عادت إلى مجراها الطبيعي، فإن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أن الإشكال قد انتهى، إذ لا يلبث أن يعرف مستقبلا الوضع نفسه إذا تهاطلت الأمطار بغزارة، وإذا وضعنا في الحسبان أن فصل الشتاء على الأبواب وأن الغيث الذي سقط من السماء لا يعدو سوى بداية لنزول المزيد من الأمطار والثلوج، وهو ما سيجعل الحركة مستقبلا خلال التقلبات الجوية والعواصف الرعدية القوية شبه مستحيلة. ولا نعتقد بأن السلطات المعنية بموضوع البالوعات وصرف المياه ستقوم بإعادة النظر في إشكالية النفق، لأن ذلك يتطلب، منطقيا، استحداث بالوعات جديدة على مستوى قاع النفق، وهي المهمة التي تبدو عمليا صعبة للغاية، وتتطلب قدرا كبيرا من الوقت وأشغال طويلة المدى، وهو ما يعني منطقيا كذلك أن الأوضاع ستراوح مكانها، وأن حليمة ستعود إلى عادتها القديمة من خلال سياسة “البريكولاج" التي انتهجت لحد الآن من أجل القضاء على النقاط السوداء التي تعرفها بعض أحياء وشوارع العاصمة. وإذا كانت التنبؤات بسقوط الأمطار الغزيرة على منوال ما عرفه يوم الأحد الماضي، تبقى في حكم الله وقدره، فإن الإقرار بفشل كل السياسات والبرامج التي سطرت لحد الآن من أجل تفادي الوقوع في مثل هذه الكوارث الطبيعية ومخلفاتها لا يحتاج إلى نقاش طويل طالما وأن الأمور باتت العملة المتداولة عندما يتعلق الأمر بظروف حياة المواطنين وراحتهم، ولسنا ندري من المسؤول عن الكارثة، ولماذا يتم غلق هذا الملف بمجرد أن يحل فصل الصيف، ليعود الكلام بعد أشهر عندما تسقط أولى أمطار الخريف؟! هكذا تحوّل شارع طرابلس إلى بحيرات رغم أن الفيضانات وقطع الطرقات قد شمل العديد من الأحياء والطرق عبر العاصمة، إلا أن فضولنا الصحفي قادنا إلى شارع طرابلس بحسين داي الذي شهد إحدى الكوارث الكبيرة في حركة سير السيارات والترامواي على حد سواء، حيث شلت به الحركة، أول أمس الأحد، ليس على المركبات فقط بل حتى على الراجلين بعد أن تحوّل إلى ما يشبه البحيرة. عندما وصلنا إلى عين المكان، كانت الأمور قد عادت إلى حالتها الطبيعية، غير أن المعاناة التي عاشها السائقون والمواطنون وحتى أصحاب المحلات بقيت مخلفاتها على محياهم وهم الذين عاشوا يوما أسودا. عندما طلبنا من أحد تجار شارع طرابلس وصف ما جرى يوم الأحد الماضي لم يتردد وهو يبدي لنا ابتسامة الاستهزاء من الأوضاع ويوميات السكان والتجار، حيث سرد عليه ما عاشه بدقة متناهية “مهما حاولت أن أنقد مشاهد يوم الكارثة لا أستطيع وصف كل ما حدث طالما وأن الوضع كان مأساويا ومحزنا، فكيف لجزائر 2012 أن تعيش وضعا كهذا، لقد انتقدنا الطريقة التي هيئت بها بالوعات شارع طرابلس التي أنجزت تزامنا مع تهيئة سكك الترامواي، حيث لاحظنا يومها أن البالوعات الصغيرة التي أنجزت كانت قريبة جدا من البالوعات الكبيرة التي تستقبل كل المياه، والإشكال المطروح هو أن هذه البالوعات الكبيرة لم تجهز بنظام أو ميكانيزم، يحول دون عودة المياه التي تدخلها، وهو ما تسبب في كل ماحدث" وهو يوجه أصابع الإتهام إلى الشركة الفرنسية ALSTOM التي أنجزت سكك وطريق الترامواي، وواصل حديثه عن الجوانب السلبية التي أفرزتها البالوعات التي وضعت من أجل ابتلاع مياه الأمطار ولم تستطع استيعاب القطرات الأولى للأمطار، ومن بين ما حدثنا عنه مشكل الروائح الكريهة التي تنبعث منها “يعاني سكان وتجار شارع طرابلس من روائح كريهة تخرج من البالوعات وهوما زاد من معاناتنا اليومية. مواطنون يتهمون المسؤولين ونحن نتجاذب أطراف الحديث مع هذا التاجر الذي مل من الروائح الكريهة، تجمع حولنا بعض المواطنين الذين تحدثوا معنا عن الموضوع بطريقة عفوية وفيها الكثير من اليأس والإحباط والقنوط، حيث أخذ أحدهم الكلمة ووصف لنا ما حدث وفق ثقافته ومعرفته بخبايا الأعمال المنجزة بطريقة مغشوشة “لا أضيف شيئا إن قلت إن كل البالوعات الموجودة عبر التراب الوطني مليئة بالأوساخ والأوحال، ولا يعير المسؤولون أي اهتمام بها خلال الفترة التي تسبق قدوم الأمطار، بل تترك لحالها، حتى تحدث الكارثة فيهرول هؤلاء المسؤولين ويتظاهرون بالجدية في معالجة الكارثة لكن بعد فوات الأوان وبعد أن يذوق المواطن من المعاناة ما يجعله يحس وكأنه يعيش في بلد ليس الجزائر بخيراته وإمكاناته"، هكذا كانت ردة فعل هذا المواطن، ولم يكن الوحيد الذي أبان عن غضبه وحسرته إلى ما آلت إليه الأوضاع، حيث بادرنا مواطن آخر قائلا “ما حدث هو أن قوة المياه لم تستطع البالوعات استيعابها، وهذا الأمر كان متوقعا منذ أن تم تحديد مسار الترامواي بشارع طرابلس، حيث أشار يومها بعض العارفين بأن الفكرة كانت خاطئة، لأن طريق الترامواي لا يبعد إلا بأمتار عن البحر، وأن مياه البالوعات لا تستطيع اختراق مياه البحر عندما يكون هائجا، كما حدث أول أمس الأحد، ناهيك عن كون هذه البالوعات صغيرة ولا تستطيع مواجهة الضغط الكبير للمياه، مما ينتج عنه فيضانات كما حدث على مستوى محطة القطار بحسين داي التي تحوّلت إلى شبه مستنقعات حالت دون سير الترامواي والسيارات والراجلين". ولم يتردد هذا المواطن في توجيه أصابع الإتهام للإدارة التي أخلت بواجباتها، كالعادة، وتركت المواطن يواجه مصيره بمفرده “يجب أن تبدأ المحاسبة من المسؤولين لتصل إلى العامل البسيط" ونحن في طريقنا للعودة رمقنا بعض عمال “أسروت" منهمكين في تنقية البالوعات، وما شد انتباهنا هو أن الأوساخ التي أخرجوها من البالوعات تركت بمحاذاة هذه الأخيرة مما يعني أن عودة الأمطار ستؤدي حتما إلى عودتها إلى حيث كانت! تركنا هؤلاء العمال في مهامهم النظيفة بعد أن طلبنا من أحدهم إن كان انتهى من عمله فأجابنا بالإيجاب؟!.