في وقت كان يرأس فرانسوا هولاند مجلس الوزراء، صباح أمس، بفرنسا لرعاية مصالح شعبه، وقبل الشروع في برنامج زيارته إلى الجزائر، كانت مديريات التربية عندنا بالعاصمة قد أمرت مدراء المدارس بتسريح التلاميذ من إكماليات وثانويات إلى الشارع لصناعة الفرجة والحماس خلال استقبال رئيس لا يعرفون غرض زيارته لبلدهم، وهو التسريح الذي أغضب كثيرا بعض التلاميذ وأوليائهم كونه وقع دون أي تبليغ مسبق ولا موافقة.. “الجزائر نيوز" عاشت كواليس التحضير للاستقبال من شارع ديدوش مراد إلى حديقة صوفيا، وعادت بهذا الواقع. كانت الساعة في حدود العاشرة، عندما نزلت إلى شارع ديدوش مراد مترصدا ما هو غير مألوف بالنسبة لي. لم يكن هناك ما يوحي بالجديد في “البولفار" ماعدا أن حركة المرور لم تكن كثيفة كما جرت العادة.. أكملت الخطوات إلى غاية إطلالتي على شارع “موريس أودان" الذي بدا فيه انتشار ملحوظ لعناصر الشرطة مع تطويق الأرصفة بالحواجز الحديدية.. كان الناس يتجمعون عفويا بساحة أودان قبالة نفق الجامعة المركزية وسط الهالة الحماسية التي كان يصنعها تلاميذ المدارس الذين كانوا بالخارج في توقيت من العادة ينبغي أن يكونوا فيه بالأقسام يزاولون الدراسة. الشاشة الكبيرة التي تعلو نفق الجامعة، لم تعد تبث إشهار المؤسسات الوطنية، لقد تسمّرت عليها عبارة واحدة باللون الأخضر “العاصمة ترحب بالسيد فرانسوا هولاند رئيس الجمهورية الفرنسية". عندما ترمي نظرك أفقيا من ساحة أودان إلى غاية بناية البريد المركزي يحتار البصر في اختفاء كل تلك الهوائيات المقعرة واليافطات والمكيفات التي كانت تشوه البنايات من كثرة انتشارها الفوضوي قرب الشرفات وعلى الجدران. كان الطلاء الأبيض لا يزال يعبق الهواء بريحه عندما تمر بشارع الجامعة المركزية، كانت هذه ملاحظة أحد البرلمانيين السابقين عن حركة مجتمع السلم الذي التقيته صدفة بساحة أودان.. كان الناس يتوقفون فضوليا بالساحة انتظارا لمرور موكب الرئيس فرانسوا هولاند مرفوقا بنظيره الجزائري. مواطنون يتهمون وزارة التربية بالمتاجرة السياسية بالتلاميذ الساعة قرابة العاشرة والنصف، انتشار غير عادي لأطفال المدارس عبر شارع موريس أودان، وحركة كثيفة لحافلات مؤسسة طحكوت محي الدين للنقل الجامعي، وهي تنقل أطفالا يهللون ويصرخون رافعين الرايات الوطنية ويصنعون الفرجة في الشارع.. كان كل من حضر في شارع موريس أودان قد علم بأن فرانسوا هولاند سيمر من هنا وسيزور شقة مواطنه الذي قضى تحت التعذيب الاستعماري كما تقول الروايات.. هكذا كان يقول الناس بالأمس.. طال الوقت ولم يأت هولاند. وفي وقت بدأت أتساءل حول توقيت قدومه وكيفية التوفيق مع مواقيت المحطات التي كنت اطلعت عليها مسبقا من خلال برنامج السفارة الفرنسية، حتى أكد لي صديق أن فرانسوا هولاند لن يقلع من فرنسا حتى ينتهي مجلس الوزراء الذي ترأسه صبيحة ذلك اليوم كما ظهر ذلك على صفحة قصر الإيليزيه... الصورة واضحة.. التلاميذ الذين أخرجوا إلى الشوارع دون علم أو استشارة أوليائهم كانوا بانتظار رئيس فرنسي، أما تلامذة بلاده كانوا يزاولون دراستهم عاديا ويقوم هو في ذلك الوقت برعاية مصالحهم ومصالح الشعب الفرنسي من خلال مجلس وزراء برمجه صبيحة الزيارة المقررة إلى الجزائر.. اقتربنا من بعض التلاميذ لمعرفة تفاصيل هذا التسريح غير المفهوم.. يقول التلميذ “بوقفة نبيل" سنة ثانية متوسط إن الإكماليات والثانويات التي تقع في محيط شارع موريس أودان وديدوش مراد والبريد المركزي كلهم بالخارج بأمر من مدراء تلك المؤسسات. لماذا؟ “لنرحب بالرئيس الفرنسي"، يقول “بوقفة نبيل" ثم يضيف “وددت الخروج للعب لكن ليس للترحيب بهولاند" لماذا؟ “ماذا أصنع برؤيته". يقول “فلاح زكريا" و«ميل نبيل"، إن تلاميذ إكماليات عمر بركاني وبن عيش وباستور وعروج وبربروس كلهم في الشارع... هل يعلم أولياؤكم أنكم في الخارج؟.. يقول التلميذ “لحسن فيصل عبد العزيز" “أنا لم أشأ الخروج وأولياؤنا لا يعلمون أين نحن الآن ولكننا لا نقطن بعيدا من هنا".. وما هي إلا لحظات من الحديث مع التلاميذ الذين أصروا على أن نأخذ لهم صورة حتى ظهرت مراقبة عامة لإحدى المدارس المذكورة وسط ساحة أودان والتي دلني عليها التلاميذ.. ركضت للحاق بها ومعرفة خلفية تسريح التلاميذ من المدارس وقانونية المسألة.. تقول السيدة “إن مدراء المدارس هم الذين اتخذوا القرار بأمر من مديرية التربية". كان الأطفال يستمتعون بنقاوة البلاط في الساحة ويتزلقون عليه.. كانت الطرقات في نقاوة غير مألوفة، يتهكم أحد المواطنين الذي كان يشد ولده الصغير بيمينه، “ليت يبقى هولاند هنا لكي تبقى العاصمة نظيفة"، يضيف تلميذ “أقسم بالله أن أمام بيتنا لا توجد قمامة، لم يحدث أنني خرجت يوما من البيت أو ذهبت إليه ولم أرَ القمامة أمام العمارة". غير بعيد عن الساحة كانت امرأة عجوز تحدق إلى حشود التلاميذ وهم يلحون على المصورة “كهينة" التي كانت ترافقني لتأخذ لهم صورة جماعية.. ثم نادت علينا.. خالتي تسعديت، لا تفقه الحديث بالدارجة الجزائرية، إنها تتكلم الأمازيغية فقط.. تقول “فرنسا حرقت رجالنا وأطفالنا وبيوتنا، كان على بوتفليقة ألا يدعو هولاند، يقول رب عائلة عن انتشار التلاميذ “هل سرحت وزارة التربية تلاميذ فرنسا من المدارس عندما زار بوتفليقة بلدهم، هذا الذي يحدث معنا أمر خطير".. ويقول المواطن “محمد شارف"، كان رفقة أحد أعضاء اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني يمرون بشارع أودان، “ أنا أريد أن أسأل هل هولاند جاء ليقدم للجزائر أم ليأخذ منها، أنا متأكد أنه جاء ليأخذ، فلماذا أخرج لاستقباله". يقول زميله الذي تحرج من انتقادات للأفلان الذي يوجد في مقدمة مستقبليه بروتوكوليا وبرلمانيا “نعم أنا أفلان وأقف مع بلدي في كل ما تراه مناسبا". ويكشف أستاذ انضم إلى النقاش أن مديره طلب من زملائه المعلمين بأن يصحبوا التلاميذ إلى حديقة صوفيا لتأطيرهم “إلا أن الأساتذة رفضوا بسبب الأمر الارتجالي وعدم التنظيم المسبق".. أحد الآراء التي رصدناها بالساحة تقول إن التلاميذ اُستغلوا في متاجرة سياسية لا علاقة لهم بها. المعاملة بالمثل موضوع زيارة هولاند بساحة موريس أودان يقول أحد السياسيين الذين التقيناهم بالشارع، أمس، إن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، عندما زار فرنسا ألقى خطبتين، “مرة بمقر بلدية باريس ومرة أمام أعضاء الجمعية الوطنية وليس السيناتورات، أما نحن فتتطلب زيارة الرئيس الفرنسي مرسوما رئاسيا يجمع الغرفتين بقصر الأمم، فلماذا لا يخطب هولاند أمام نواب المجلس الشعبي الوطني بمقر هذا الأخير، لماذا لا يتم التعامل بالمثل مع فرنسا"، ويضيف البرلماني السابق متسائلا “أليس المعاملة بالمثل من المبادئ الدبلوماسية الدولية؟". قضينا أكثر من ثلاث ساعات بأودان ولم يأت هولاند كما تم تسويقه رغم الحشود المتجمهرة، ليتبين فيما بعد أنه مشى راجلا مع نظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من حديقة صوفيا إلى ساحة الشهداء.