تجدد نشاطك الثقافي ببرمجة هذا الاستعراض التركي العالمي الأول من نوعه في الجزائر؟ هذا العرض بذاته كان من بين الأحلام التي تأسرني مثل حلم زرياب، عندما شاهدت العمل في قاعات عملاقة بباريس ولندن وبركسيل، انبهرت به، خاصة وأنه يملك بُعدا بصريا يأخذك للحلم، ويكتنف على مقومات العولمة أيضا. فقلت في نفسي هل يمكن أن يأتي هذا الحلم إلى الجزائر، ويحقق المتعة ويرفع الذائقة الجزائرية. فقضيت ثلاث سنوات في التفاوض والتشاور مع رئيس الفرقة التركية مصطفى أردوغان، لأرى إمكانية برمجتهم في الجزائر، فوجدت في الديوان الوطني للثقافة والإعلام ترحيبا بالفكرة، وتبنيا سريع لها، خاصة وأن الاستعراض يختلف تماما عن المعهود، يبتعد عن الفعاليات الفنية المعروفة التي باتت في نظري مستهلكة. كيف تم التفاوض مع الفرقة وإقناعها بالمجيء؟ بنيت طلبي على أساس علاقتنا التاريخية والإنسانية بتركيا، وأوضحت لهم الكم الهائل من الثقافة المشتركة بين البلدين، والآثار التي يمكن العثور عليها سواء المادية أو اللامادية، وكيف سيكون جميلا أن تعود تلك العلاقة من باب ثقافي فني راقي. وقد ساعدني هذا العامل على تعزيز موقع الجزائر كبلد مستعد لاستقبال هكذا مشاريع. أول صعوبة واجهتني كانت أجندتهم المضبوطة سلفا، فانتظرت ثلاث سنوات حتى وجدنا فترة فراغ (جانفي فيفري). أما عن الشروط المادية والمالية، فالديوان الوطني تكفل بما يلزم. في المقابل، كان هاجسنا هو الجمهور، كيف نحفزه على تجريب هذه الرحلة الفريدة، ويدخل الأناضول من خلال قصة أسطورية، ليس لمتابعة عرض فقط بل لمعايشة لحظة. ماذا عن متطلبات العرض التقنية بدءا بالخشبة التي تبدو صغيرة عن العرض؟ صراحة، العمل يتطلب تقنيات كبيرة جدا، لأن الفرقة تتكون من 120 راقص، ناهيك عن الفريق التقني والفني، فهم بمثابة قرية صغيرة متنقلة، للأسف لا نملك في الجزائر خشبة يمكنها استيعاب هذا العدد الذي يمتاز بحركة دؤوبة وسريعة، فكان علينا إيجاد ما يقارب ذلك، فقلصنا العدد إلى 50 راقصا، لهذا لا تعني التكلفة شيء أمام قيمة فنية مثل التي يقدمها “نار الأناضول"، والمتعة الروحية التي تأسر الفرد من بداية العرض إلى نهايته. ماذا عن قصة “نار الأناضول"؟ الفكرة جميلة جدا لها بعدين تاريخي وإنساني. مصطفى أردوغان اشتغل على فكرة النار باعتبارها بداية الحضارة، وبنى لوحاته على ثنائيات متناقضة مثل النار والماء، الخير والشر، وعلى هضبة نمرود الواقعة بالأناضول تدور أحداث هذه القصة الإنسانية، المستمدة من ميثولوجية قديمة لبروتيوس. تم بناء هذا الاستعراض برقصات معاصرة وتقليدية، لتكون العلامة المميزة لتركيا، علما أن الفكرة بدأت مع مشروع “سلطان الرقص" الذي قدمه أردوغان في البداية، ونال إعجاب جمهور أوروبا خاصة، لأنه يقوم على نفس شرقي غرائبي محبوب هناك. لكنه تخلى عن الجانب المشرقي للعمل، وبحث في رصيد تركيا للرقصات، ووجد أن هناك ما يربو عن 3000 رقصة محلية، فجمعها ومزجها بالرقص المعاصر، ليقدم لنا في الأخير رحلة حلم غير متناهية. هل تعد بمشاريع جميلة شبيهة ب “نار الأناضول"؟ مشاريع جميلة كثيرة أتمنى تحقيقها ونقلها إلى الجزائر، وأنا بصدد الاتصال مع مسؤول عرض أوروبي اسمه “رجل الثلج" من روسيا وهو عبارة عن بهلوان. أما الثاني، فسيكون من القوقاز وهو عرض شركسي عن إسطورة سمايا أو طريق الحرير المعروفة. أنا دائما أبحث عن مسالك ثقافية في عروض ليست تجارية، حيث نربح السعادة أكثر من شيء آخر. وبمناسبة الخمسينية، مثل هذه العروض ترفع تحية لهذا البلد الذي يستحق أن يكون قبلة لأعمال راقية.