تمرّ بنا الطفولة وتُنمّي فينا بذور المواهب المستقبلية فيصير كل إلى ما تصنع به ملكتُه، في بلدة ريفية، ولدت الفتاة التي ما لبثت أن ولجت دنيا الإلهام واختارت بعدها أن تحمل لقب الكاتبة، تأكيدا منها على طفرتها الإبداعية. فقد سطرت “هدى درويش"، مبكرا، مصيرها في عالم الأدب، حيث عكفت المراهقة على الشعر، رغبة منها في بلوغ صورة الأديبة، على غرار آسيا جبار. هلا أطلعتنا على سيرورة شغفك بالشعر؟ يعود هذا إلى طفولتي، حيث ترعرعت سعيدة، مرتاحة ومدللة في كنف جدي وجدتي، خصوصا أنه في سن الثامنة من عمري، وأنا في عزلتي، اكتشفت جمال الطبيعة وكمال الكون وعطف المحيطين بي، فقد نشأت في تناغم وكانت طفولتي كلها سعادة وهناء. بزوغ الفن في عمق الطفولة جبلك إذن؟ عندما تترعرع في كنف عائلة تسودها رقة وصرامة الأم، وحماية الأب والعواطف الطيبة بين الإخوة والأخوات، وعندما لا نكون سوى بذرة مغمورة بالحب والتفهم، حينها فقط، يمكن للميولات أن تنمو دون عوارض تذكر. هنا أظن أن حسيّ الفني تجلى وبالأخص في الرسم. كيف كان للتعبير الأوّل أن يحط بك على درب الكتابة؟ تدفقت أول مشاعري للفن بالرسم والخربشة، أين يمكننا تصوير لوحة حتى دون مراعاة القواعد الأكاديمية، وحيث يمكن وصف الطبيعة والتسلي بأقلام التلوين عفويا، وشيئا فشيئا أخذت الأفكار تراودني فوجدتني تلقائيا أترجمها إلى كلمات، فكان الشعر وكأنه ينهمر كالماء من النهر متدفقا من النبع. بعدها سعيت لملاقاة كبار الأدباء العرب؟ حصّلت وإياهم تعليمي الأدبي، كان من ضمنهم جبران خليل جبران، الذي تأثرت بحكمته في الشعر وقوته الروحانية وفوق كل ذلك بكتاباته العبقرية. يمكننا القول إنه فتح لي الآفاق. أما من الجانب الجزائري، فكان هناك محمد ديب وأحلام مستغانمي، إضافة إلى شعراء المهجر اللبنانيين الذين أدركت معهم ماهية رجل أو امرأة عايشا المهجر. ماذا عن نزار قباني؟ هو الشاعر الذي جعلني أكتشف الشعر المتفاني، هو أيضا من وضع يده على المصير المأساوي للعالم العربي، واصفا الوضع المزري بفنية راقية دون الوقوع في شرك البذاءة. لقبه كثيرون ب “شاعر المرأة" وذلك الخطأ بعينه، فقد كان نزار في غاية الرقة، حيث فهم المرأة ولم يكتف بالتغني بها وحسب. هنا نصل إلى محمود درويش... بالفعل غيّر محمود درويش حياتي، ولكن حتى أكون أكثر وضوحا، فالفضل يعود لنزار قباني الذي جمعني به. كان نزار أشد المدافعين عن الشعب الفلسطيني وقضيته المقدسة، وهو الذي قال عنه درويش إنه سيكون أعظم شعراء المقاومة الفلسطينية، وكلما قرأت له صارت الثورة الفلسطينية في نظري رمزا لحرية العرب، كما كانت الثورة الجزائرية منذ 58 سنة وأظن أن كتاباتي أخذت نفس المنحى. بنيت إذن أول رواية لك حول المأساة الفلسطينية خاصة إبان حصار غزة... تصورت شخصية أمال شبيهة بنجمة لكاتب ياسين، وتركت لريشتي أن تطوّر مأساة هذه الغزاوية التي تنقلنا عبر معاناتها إلى أعماق شعب يناضل لاسترجاع أرضه وهويته و كرامته ووضع حد لذلك الأمر المريع المسمى المهجر. كما أنها قصة حب مستحيل لطالما شهدناه في مجتمعاتنا العربية؟ تماما، فقد تقصدت عبر الشخصيات التعبير عن أنّ التحرر ليس سياسيا أو اقتصاديا فحسب، وإنما هو تحرر الرجل والمرأة العربيين مع احترام قيم حضارتنا وحضارات العالم الحديث، بالنسبة لي، تدور في فلسطين أحداث دراما العالم المعاصر. عنوان الرواية “حب يبحث عن وطن" يعود بنا تدريجيا إلى واقعنا. وللكاتب أن يلعب هذا الدور، أن يكون قريبا من الناس ومن الأحداث، أن يعبر عن رأيه وأن يتدخل بتفان ... مع أني لازلت في بداياتي، ولكن كبار الأدباء دلّوني على الدرب الذي أتّبعه لأكون جديرة بثقة واحترام القارئ، وتسعى روايتي المتواضعة إلى نيل هذه المرتبة. هل من ترجمة لها إلى الفرنسية في المستقبل؟ أجل، الترجمة سبيل لجذب أكبر عدد من القراء، فحلم كل كاتب أن يقرأ له العالم بأسره...