هل يبقى الأمل قائما في إقامة دولة مدنية على أرض العرب؟ وهل يوجد مجتمع عربي إسلامي كما اعتدنا أن نقرأ في الإعلام ونسمع في الخطب السياسية والدينية؟ وهل يوجد ثقافة إسلامية أصلا؟ لا وجود لذلك المجتمع الإسلامي الافتراضي، هناك مجتمعات عربية لكل منها علاقة مختلفة بالحداثة هي التي تكوّن هويتها الحالية· لا ينبغي وضع تونس واليمن مثلا في سلة واحدة وإن جمعت بينهما العروبة والديانة الإسلامية· ولا أثر لما يسمى ثقافة إسلامية على أرض الواقع· هناك فقط ثقافة تركية وإيرانية وأفغانية وعربية الخ· لكن السؤال الذي ينبغي طرحه قبل كل شيء حينما نتطرق لضرورة الفصل بين الدين والدولة في الوطن العربي هو /هل هناك دولة فعلا حتى نطالب بفصلها عن الدين؟/ لا يعدو أن يكون الحديث عن الفصل وضرورته كونه مساهمة نظرية في بناء الدولة ذاتها· الحديث عن /الدولة/ في الوقت الراهن عندنا هو على سبيل المجاز فقط· ما ينبغي أن يفصل اليوم هو الدين عن السلطة، تلك السلطة التي تشتري الشرعية بالشريعة، تقايض أسلمة المجتمع بالمحافظة على امتيازاتها بمباركة كثير من الجهات المستفيدة من دولة الريع، ما قبل الحديثة· لا أريد استرسالا نظريا في موضوع التنوير إذ الواقع يبين لنا كل يوم أن ما يسمى بدولة عربية هي التي تحارب الحداثة وتطيل من عمر اللاعقلانية فهي تموّل وتشجّع الفكر اللاهوتي وفي الآن ذاته تحارب الإفرازات العنيفة التي هي نتيجة طبيعية لما تغرسه في وعي الناس ولا وعيهم عن طريق مدارسها وإعلامها ومساجدها وكتابات مثقفيها الأصوليين· لا يستطيع أحد أن ينكر بأن الساحة الإعلامية تعج بالذين ينافقون الحكام ويجاملون القراء والمشاهدين والغوغاء ويخافون على مراكزهم وامتيازاتهم، وهو أمر يستحق لوحده صفحات وصفحات إذ هو متعلق بمسألة ظهور النخب في البلدان العربية وارتباطها بمؤسسات حكومية أو دولارية لانعدام المؤسسة العمومية المستقلة· لأسباب بسيكولوجية ثقافية معقدة وباثولوجية يهاب الكثير من الكتاب مناقشة الأطروحة الغالبة والجهر بعدم اقتناعهم بما يطرحه مفكرون رسميون لا مصداقية لهم سوى تقدمهم في السن وتراهم يرددون شعارات توفق كاريكاتوريا بين التراث والحداثة، فإن كان الأمر كما يدعي هؤلاء المروجون لذاك التوافق الافتراضي فلماذا يجد المسلمون أنفسهم في صراع مرير مع قيم الحداثة داخل المجتمعات الأوروبية حيث يصبح الاختيار ضروريا وعمليا؟ يدافع الكثيرون عن أطروحة التوفيق بين الإسلام والحداثة مؤمنين بإمكانية الوصول إلى تحديث المجتمع وتنويره انطلاقا من التراث وهو ما سبقنا إليه رجال النهضة ونعلم اليوم النتيجة التي أوصلنا إليها ذلك الحلم الذي بدأ نصف عقلانيا مع الأفغاني ومحمد عبده وانتهى لاعقلانيا مع رشيد رضا الذي أعطى حسن البنا، وهكذا عادت النهضة إلى أصلها· حينما يجد التوفيقيون الجدد أنفسهم أمام اختيار حاسم، حينما يستنفذون كل زادهم التراثي··سيعودون إلى أصلهم كما عاد الذين من قبلهم، وحينها يصبح الغلاة الذين يداهنونهم اليوم أغلبية، فيجعلون الحداثة كعصف مأكول· لا يمكن الوصول إلى دولة مدنية قبل أن يتحول المسلمون الشاملون إلى أقلية· فهل تساهم كتابات التوفيقيين في استعصار علمانية ما من التراث الديني؟ وتحويل دعاة الدولة الدينية إلى أقلية؟ وفك الارتباط القاتل بين إدارة شؤون الحياة والمغريات الماورائية؟ أعتقد أن تجربة ما يقارب القرنين قد أثبتت أن محاولات التوفيق قد باءت بالفشل بل جاءت بعكس ما كان منتظرا منها : لقد تم عن طريقها أسلمة مخيال الجموع· هل ننظر إلى مجتمعنا كما هو كائن ونحاول تعقّل ثم تبرير ثقافته؟ أم ننظر إليه كما ينبغي أن يكون ونؤمن بإمكانية تغييره؟ حميد زناز/كاتب جزائري مقيم بفرنسا