إتفق الممثلان سفيان عطية ومحمد بوداود، على شرح أسس “جمهورية عين الخبزة" للشعب، واستعانا في ذلك بنصوص قصصية لمحمد عبو اقتبسها وأخرجها زياني شريف عياد. جاء العرض في قالب كوميدي مفتوح على الهواء الطلق متجاوز لحدود الخشبة التقليدية، ليسخر من “الزعيم" الطاعن في السن، من “السيدة ثقافة" ومن شعب يصفق ل “الزردات والوعدات". لم يكن المدعوون لعرض مسرح القوستو، أول أمس الثلاثاء، يتوقعون أنهم سيستقبلون عند مدخل قصر الثقافة مفدي زكرياء (مساهم في الانتاج)، من قبل الشخصيتين الرئيسيتين والوحيدتين اللتان ستشكلان محور أحداث “جمهورية عين الخبزة" التي لا تشبه أخرى. يقول بول فاليري: “في البدء كانت المزحة. والواقع كل القصص تعمقها الخرافة"، وهي المقولة التي تنطبق على كتاب محمد عبو بعنوان “إرث الخرافة" (دار الحكمة 2012)، الذي قدم الواقع الجزائري في شكل حكايات متخيلة في قرية نائية، وبكثير من حس الفكاهة والنكتة، راح يسرد للقراء ما حل بسكان ذلك المكان عبر 22 نصا قصيرا. إلا أن زياني شريف عياد، اختار الاشتغال على ثلاثة نصوص، وجد أنها تصلح لنسج قصة حقيقية تتجاوز الوهم، وتجعل من لحظة الضحك بداية لانقشاع غيمة البلادة من المجتمع. عند عبة قصر هضبة العناصر، كتب “هنا جمهورية عين الحبزة"، تجد سفيان عطية يلبس مأزرا أحمر، ويمسك ما يشبه آلة ضخ، ليستخرج من عقول الجمهور “الفهامة الزايدة"، لأنها مضرة في هذه الجمهورية التي لا يريد حاكمها شعبا “فاهم زيادة". على بعد ستة أدراج محمد بوادود يتمنى لنا إقامة طيبة، ويتركنا لبرودة بهو القصر، نتمنى دخول القاعة المعهودة. في لحظة سهو، يدعونا الممثلان للالتفاف حولهما، ويعتلى سفيان النافورة ليقرأ بيانا عاجلا من “بلا بلا بلا نيوز"، يبشرنا بأن البلاد بخير، والرئيس أيضا، والأوضاع زاهية بدليل “الزردات والحفلات". يمينا نصبت خشبة صغيرة، وكرسي بلاستيكي ينتظر وصول الزعيم، وقبلها رفع بوداوود عاليا إشارة “نحن الأمن" و«هنا حومة عين الخيزة"، وفي هذه الحومة سيطل الزعيم على شعبه (نحن) وسيخطب فينا، وينظر إلينا، ويعبر لنا كم الكرسي “دافي ومريح" وكم هو “الولف صعيب" ومغادرته “تصيبه بالبرد"، وإنه علينا أن نتفهم حرصه على ألا يمرض، فهو كبير في السن؟! بعد هذا التمهيد، وقد اشتد البرد بنا عند الثامنة ليلا، كانت ركح القاعة الرسمية جاهزا، زينه الفنان نور الدين سعودي في زاوية يسرى، يحمل عوده: “يا بلادي راه خدك وعيونك أمل الغد.. مسجون أنا مقيود بلا قيود.. النور غايب في ظلام العقول..."، سيكون صوت سعودي وعزفه، اللحظة الجادة في هذيان سفيان ومحمد، صوت العقل الذي يرى جفاف بحر هذه الجمهورية، وانغماس شعبها وحكامها في خرافات “سيدي فلتان". «الخردة الثقافية"، و«مدام ثقافة تاع سيدي عبد الرحمن"، هي بعض التعاليق الواضحة المدلول التي أطلقها الممثلان، نقد مباشرة لوزارة الثقافة، وتحت نوافذها أعلن مسرح القوستو رأيه في الابتذال الذي بلغه الانتاج السينمائي والفني عموما. لجمهورية “عين الخبزة" نشيدها الوطني، ولأجلها يتصارع السكان على الوطنية الزائدة. بلغت السخرية من الجمهورية هذه، لحد ذكر مشاريعها الواعدة: الجامع الكبير، التراموي، الميترو، سكنات “للمنتخ.... بين". للتذكير، يتواصل عرض العمل اليوم الخميس، بذات الفضاء على السابعة والنصف مساء، وعلى الساعة الرابعة يوم 31 ماي الجاري. فيما تحتضن مكتبة قصر الثقافة، لقاء مفتوحا حول العمل يوم “جوان (14 سا)، وفي الخامس جوان القادم قراءة لرواية ليلى عسلاوي بعنوان “دون خمار، دون ندم" بصوت أمال حيمر ووسيلة عريجي.