تمر، اليوم، الذكرى ال15 لاغتيال الفنان القبائلي معطوب الوناس الذي تعرض لعملية تصفية من طرف جماعة مسلحة يوم 25 جوان 1998 بالمكان المسمى "ثالة بونان" ببني دوالة. وعلى غرار كل سنة، تنظم العديد من التظاهرات الفنية والثقافية والندوات والمحاضرات للاحتفال بهذه الذكرى، التي لا يريد سكان منطقة القبائل نسيانها لما يحمله الملقب ب "المتمرد" من رمزية فنية ونضالية، سيما إفراطه غير المحدود في الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والثقافة والهوية الأمازيغيتين، وانتقاده الشرس للنظام واتخاذ موقف ضد العنف والإرهاب كلّفه حياته. في شهر جوان من كل سنة، يرتفع الجدل القائم حول قضية اغتيال الفنان القبائلي معطوب الوناس بإلحاح عائلته والمؤسسة التي تحمل اسمه وكل سكان منطقة القبائل ومحبيه، على رفع نفس المطلب المتمثل في إظهار حقيقة اغتيال الفنان الأكثر شعبية بمنطقة القبائل، فالقضية لا تزال شائكة بسبب الغموض الذي يكتنفها. بعيدا عن التأويلات السياسية لهذه القضية، وبعيدا عن الملف القضائي الذي لا يزال يصنع الحدث رغم مرور 15 سنة على اغتيال الوناس، سيما بعد ما حدث في مجلس قضاء تيزي وزو يوم 18 جويلية 2011 خلال محاكمة السجينين "مالك مجنون" و"عبد الحكيم شنوي" اللذين غادرا السجن بعد قضاء 12 سنة بتهمة المشاركة في عملية الاغتيال على خلفية فصل قضية معطوب وتحويلها إلى قضية شنوي ومجنون، وبعيدا عن موقف عائلة معطوب من المحاكمة، "الجزائرنيوز" فضّلت التطرق في الذكرى ال 15 إلى علاقة الجيل الجديد بالفنان وارتباطهم بأغانيه وبشخصيته وبقيمته وبمشواره الفني والنضالي لمعرفة إمكانية محو اسم معطوب الوناس من ذاكرة الأجيال القادمة من عدمها. كنا نملك فكرة مسبقة عن الجيل الجديد، وكنا نعتقد أن قيمة الفنان معطوب الوناس ليست نفسها بالنسبة للأجيال السابقة، إلا أن زيارتنا الاستطلاعية التي قادتنا إلى مختلف شوارع وأحياء وأزقة مدينة تيزي وزو، كشفت لنا أن أغلبية المراهقين والشباب الذين تحدثنا إليهم، تتراوح أعمارهم بين 15 و26 سنة متعلقون كثيرا بهذا الفنان ويحترمونه احتراما كبيرا، حيث أجمعوا على أن معطوب رغم رحيله، إلا أن اسمه ونضاله ومشواره وأغانيه جعلته يفرض حضوره، وقد ذهب البعض إلى حد توجيه عبارات للفنان تجعله مرتاحا مما صنعه على غرار "الفنان الحق ليس الذي يشتهر في حياته ومع جيله، بل بعد وفاته وإلى الأبد" و"نم بسلام يا الوناس، أنت في القلب والروح" و"لا يمكن أن ننسى معطوب الذي يعتبر رمز منطقة القبائل" و"ما زال صوثيك أذيبعزاق" وهي عبارة قالها أحد الشباب، أخذها من أغنية معطوب الشهيرة "ألعمريو". كانت بداية عملنا الميداني من شارع السلم، التقينا بثلاثة مراهقين، وبمجرد أن طرحنا عليهم سؤالا عما يمثله لهم الفنان معطوب الوناس، رد سليم (16 سنة) بطريقة تهكمية قائلا "أنا أمازيغي وتطلب مني ماذا يمثل لي معطوب؟ بطبيعة الحال يمثل رمزا للشجاعة والتحدي والرجولة، فهو الفنان القبائلي الوحيد الذي تحدى الخوف حتى دفع ثمن حياته لذلك"، ويقاطعه صديقه يوغورطا (15 سنة) قائلا: "معطوب يمثل بالنسبة لنا نحن الجيل الجديد أبرز مناضل حقيقي وشخصية محترمة، فهو عبرة يجب أن نقتدي به لأنه رفع صوته ودافع عن المقهورين وغنى عن كل المواضيع بطريقة مباشرة ونفهمها جيدا عكس الفنانين الآخرين"، أما عبد النور (17 سنة) فأكد أن تعلقه الكبير بالفنان معطوب دفعه إلى تعليق صورته في غرفته. وأثناء حديثنا مع المراهقين، مر من أمامنا كهل سمع موضوع حديثنا، في البداية فضّل الاستماع، وبعد حوالي ثلاث دقائق، اعتذر عن مقاطعتنا وكشف أنه ينحدر من قرية رجاونة في أعالي مدينة تيزي وزو ولديه ابن في السابعة عشرة من عمره يسمى ماسينيسا مولع بالفنان معطوب الوناس "حفظ أغلب أغانيه وحوّل غرفته إلى متحف بصور معطوب وشبيبة القبائل"، مضيفا "درجة تعلقه وحبه لمعطوب دفعته إلى هواية جمع صوره، وعندما يتحصل على صورة جديدة لهذا الفنان لم يسبق أن رآها من قبل، يشعر أنه حقق حلما". وبشارع هواري بومدين التقينا مجموعة تتكون من 6 مراهقين، أربع إناث وذكرين، سألناهم عن الفنان معطوب، أول رد جاء من الفتاة لامية (15 سنة) سبقت رفاقها وأخبرتنا "غدا (تقصد اليوم) هو تاريخ اغتيال معطوب الوناس"، وأضاف رفيقها محمد "والدي أخبرني بأنه قتل في يوم الخميس بثالة بونان"، ومن بين الستة الذين قابلناهم، وجدنا أربعة منهم يستمعون لبعض أغاني معطوب وفتاة اعترفت أنها لا تربطها أية علاقة مع معطوب "لا أحب الطابع الموسيقي وأغانيه، فأنا أفضل الأغاني الشرقية والغربية"، لكن أحد رفقائها وبّخها واستهزأ منها ببعض العبارات التي يستخدمها المراهقون "أنت بابيشة تاع ماما وبابا"، ويضيف آخر "الأفلام التركية أثرت فيكن أنتن الفتيات"، وبعدها أطلق رفيقهم مهدي العنان لحنجرته وغنى مقطعا من أغنية "ما ذرصاص" التي حقق بها معطوب شهرة كبيرة بعد محاولة اغتياله في أحداث أكتوبر 88 بعين الحمام. وبدار الثقافة مولود معمري التقينا مجموعة من المراهقين ينشطون في مختلف الفرق الموسيقية والفنية، يعرفون كل أغاني معطوب، حيث كشف لنا أحدهم في ال17 من عمره أنه إلى غاية سن الرابعة عشرة لم يكن يعرف معطوب إلا بالاسم فقط "بعد التحاقي بفرقة الغناء بدار الثقافة مولود معمري اكتشفت الفنان معطوب في الموسيقى والغناء وتعلقت به بعد أن فهمت مضمون أغانيه"، وتؤكد رفيقته أنها تهتم بكل الطبوع الغنائية وتعتمد بصفة أكثر لتطوير مواهبها في الرقص من الناحية الفنية والموسيقية على فنانين آخرين، بينما تنتقي بعض أغاني معطوب لاستخدامها في مجالها "معطوب يملك موسيقى قوية، أرقص على نغماتها حين أشعر بالغضب لأن في مخيلتي معطوب مناضل قبل أن يكون فنانا". هذا، وقد صادفنا شبابا ومراهقين رغم قلتهم إلا أنهم يتطرقون بالتفصيل الدقيق إلى حياة معطوب الوناس الفنية والشخصية، بل أكثر من ذلك فالبعض منهم يعرفون خلفيات بعض الأغاني وطبيعتها، والبعض الآخر فضلوا تلخيص شخصية معطوب الوناس بكلمة "البطل" و"الرجل" و"المتمرد" وقالوا "ارتباطنا بالوناس وثيق، فالأجيال القادمة ستبقى تتعلق به مهما كلف الأمر، لأن ما تركه في الساحة الفنية والنضالية يفرض نفسه" حسب تعبير صاحب محل بيع أشرطة، مؤكدا "معطوب الوناس يعتبر الفنان الوحيد الأكثر طلبا من طرف الزبائن ومن الجنسين ومن كل الفئات العمرية بما فيها المراهقين والشباب". رغم ارتباط الجيل الجديد بالحداثة، خاصة ما يتعلق بتكنولوجيات الاتصال وطريقة اللباس والهيأة وتحقيقه تفتحا كبيرا على العالم الافتراضي واعتماده على التقليد ومواكبة التطورات، إلا أن ذلك لم يمنعه من الارتباط بالفنان معطوب الوناس، حيث اكتشفنا خلال جولتنا الاستطلاعية أن هذا الجيل يقدس معطوب الوناس كثيرا إلى درجة لا توصف، ويعتبرونه من أهم وأبرز الشخصيات الأمازيغية، لكن معرفته للمشوار الفني والنضالي والأحداث التي عايشها تبدو سطحية، فالعديد ممن سألناهم عن مساره وحياته، قابلونا بأجوبة سطحية "معطوب عاش يتيم الأب" و"معطوب يكره النظام" و"تعرض لمحاولة اغتيال في نهاية الثمانينيات" و"الوناس صديق الفقراء والمقهورين وعدو الظالمين ولا يحب الأغنياء" و"عاش حياة بسيطة ولا يحب الرفاهية"، "يحب المغامرة ويتمتع بشجاعة كبيرة وسمعنا أنه ساعد الكثير من الفقراء" وغيرها من المعلومات التي يعرفونها، لكن ما شد انتباهنا أكثر هو أن الذين تحدثنا إليهم كلهم واعون بقضية اغتيال معطوب خصوصا الذين يتراوح سنهم بين 20 و26 سنة، وأغلب محدثينا اقتنعوا أن النظام هو من يقف وراء اغتياله بتورط شخصيات معروفة بمنطقة القبائل "لا يمكن أن أصدق أن النظام غير متورط في اغتياله والكل يعلم أن معطوب راح ضحية صراع سياسي" حسب تعبير كريم (20 سنة)، وتساءل محند الشريف (22 سنة) "لماذا ينتظر الإرهابيون إلى غاية جوان 1998 حتى يقتلوه رغم أنهم اختطفوه في 1994؟"، أما سعيد (25 سنة) فيقول "قضية اغتيال معطوب معروفة ورغم أن العدالة لم تفصل في القضية، إلا أن المجتمع فصل فيها ويدرك من يقف وراء العملية". الحديث مع الجيل الجديد عن الفنان معطوب الوناس جعلنا نكتشف قضية أخرى، وهي أن معطوب يعتبر الفنان الوحيد الذي لا يزال يسكن قلوب كل الأجيال مقارنة بالفنانين القبائليين الآخرين، حيث لمسنا أن الشباب والمراهقين يتعلقون بمعطوب ويحترمونه كثيرا "أفضّل معطوب لأن أغانيه مفهومة عكس آيت منقلات الذي اعتبره فنان الكبار فقط" يقول كسيلة (19 سنة)، ويضيف شاب في العشرين من عمره "قضية اغتيال معطوب جعلتنا نسمع أغانيه لنكتشف نصوصه وأفكاره ونفهم جيدا ما يقوله، أما إيدير وآيت منقلات يغنيان بالمعاني"، وتقول صبرينة (22 سنة) "آيت منقلات انتهى عهده، فنحن الشباب لا نفهم ما يقصده وإيدير يعتمد على الموسيقى أكثر، أما معطوب يعتمد على الرسالة وإيصالها بطريقة مفهومة وواضحة". وفيما يتعلق بأسباب اهتمام الجيل الجديد بمعطوب الوناس، كشف بعض من تحدثنا إليهم أن الفضل يعود للوالدين وللعائلة والمجتمع القبائلي خصوصا، وأن اسم وصور معطوب موجودة في كل مكان. وفي هذا الصدد، أكدت أستاذة اللغة الأمازيغية أن تدريس الأمازيغية في المؤسسات التربوية ساهم كثيرا في التعرف على شخصية معطوب الوناس رغم غيابه عن المقرر الدراسي، مشيرة إلى أن الكثير من أساتذة الأمازيغية يقدمون بصفة متكررة ومتعمدة شخصيات أمازيغية بارزة في الدروس، سيما عندما يتعلق الأمر بتقديم الأمثلة لاستدلال الدروس "التلاميذ في كل مرة يدرجون في أمثلتهم اسم معطوب وذلك فخرا واعتزازا بهذا الفنان". ومكانة معطوب الوناس وسط سكان منطقة القبائل تظهر خصوصا بمجرد أن يتطرق أي فنان جزائري غير أمازيغي إلى معطوب في أغانيه أو في حفلاته، وهذا كافٍ لأن يكسب حب واحترام الجمهور القبائلي وعشاق معطوب الوناس، وأفضل دليل هو ما صنع الراحل شاب عقيل هذه الأيام بمنطقة القبائل وعبر شبكات التواصل الاجتماعي بعد أن تم الترويج لإحدى أغانيه التي خصّها لمعطوب الوناس وسبقه في ذلك نجم "الراب" لطفي دوبل كانو، كما استطاع الشاب خالد أن يخطف الأضواء في رمضان 2011 بملعب أوكيل رمضان بعدما فاجأ الجمهور القبائلي بقميص شبيبة القبائل يحمل صورة معطوب، وبعده الفنانة أمل وهبي التي أدت أغنية معطوب بالأمازيغية، حيث تفاعل معها الجمهور الذي استحسن مثل هذه المبادرات التي تعيد الاعتبار للفنان معطوب الوناس.