أزراج عمر هو من الأصوات الشعرية اللافتة للنظر في حقبة السبعينيات وبداية الثمانينيات. ورغم مستواه العلمي المتواضع آنذاك، فلقد تمكن هذا الشاب الطموح القادم من المنظومة التربوية من أن يحتل موقع قدم في المشهد الأدبي العاصمي. وذلك من خلال قصائده الواعدة والمنمة عن موهبة أصيلة التي نشرت على أعمدة المجلات الجزائرية والعربية وفي ديوانين مهمين، هما "حرسني الظل" و"الجميلة يقتلها الوحش". وكان عمله الشعري "العودة إلى تيزي راشد" أقوى لحظة في مسار هذا الشاعر من حيث التعبير بشجاعة عن موقفه تجاه نظام الحزب الواحد وسطوته.. وسعدت، وأنا أقتني بالصدفة، مذكرات أزراج عمر بإحدى مكتبات العاصمة، والتي حملت عنوان "قصة قصيرة"، وهي ذات القصيدة التي أثارت انزعاج حزب جبهة التحرير يومها، لما احتوت عليه هذه القصيدة من نقد هو أقرب إلى الصرخة اليائسة، والنبوءة السياسية. لكن تلك السعادة سرعان ما تحولت إلى حزن، وأنا أطالع بنهم صفحات تلك القصة القصيرة.. لماذا؟! لأن الشاعر عمر أزراج سقط في نفس فخ العديد من المبدعين الذين يدّعون أشياء لم يعيشوها إلا في الخيال.. وبالتالي، بدل تقديمهم للحقيقة يسعون إلى اختلاق حقيقة غير حقيقية عن ماضيهم النضالي وشجاعتهم تجاه الحلم، ومسارهم المثالي والنقي. هل نحن بحاجة إلى اختلاق بطولات زائفة حتى نثبت للآخر أننا مثقفون حققيون، ومناضلون مهمون وتارخيون؟! بالتأكيد لا. إنه لمهم أن نكتب تاريخنا الثقافي من خلال تقديم الشهادات البعيدة عن كل تبجح وزيف وتضليل.. وإلا سيضطر الجيل القادم أن يعيد كتابة تاريخ المثقفين من جديد. طبعا، هذا المرض أصبح منتشرا في أوساط العديد من المثقفين والإعلاميين سواء الذين هاجروا أو الذين مكثوا في البلاد، ووجدوا أنفسهم يتقلدون مناصب تسمح لهم بالاعتقاد أنهم أضحوا أصحاب نفوذ وقرار.. فمؤخرا فقط، اندهشت وأنا أصغي إلى روائي مهم على إحدى القنوات، يقول إنه حمل السلاح وقاوم الإرهابيين في الجبال.. بينما قضى هذا الروائي معظم سنوات الإرهاب مختبئا لدى أصدقائه، ومقيما في المهجر. كما استغربت وأنا أتابع إعلاميا مخبرا يتحدث إلى قناة معارضة، عن حيازته ملفات ومعلومات عن أشخاص وعصب في دوائر الحكم.. فيما هذا الإعلامي المخبر، لم تتعد علاقاته حدود رئيس دائرة محلية... ما الذي يدفع أسماء محترمة من الكتاب والشعراء والإعلاميين والمثقفين إلى مثل هذه الادعاءات، ادعاء لحظات ومواقف لم يمارسوها. يقول الشاعر والصديق أزراج عمر إنه كان معارضا للنظام باعتباره مثقفا في الثمانينيات. ويأخذ على سلطة الشاذلي بن جديد أنها ضيقت على كتاب كبار مثل: كاتب ياسين، ومولود معمري.. وهذا صحيح.. لكن أين كان عمر أزراج يومها، وماذا فعل، وهو المثقف والشاعر الحر؟! لقد كان عمر أزراج الشاعر عضو اتحاد الكتاب الجزائريين، ومسؤول العلاقات الخارجية في اتحاد الكتاب، وعضو الأمانة العامة لاتحاد الكتاب الجزائريين، ولم يكن يومها يُقبل لتقلّد المسؤولية في الاتحاد من لم يكن مناضلا وصاحب بطاقة في الحزب الواحد. وكان الحزب الواحد يستعمل المادة 120، سيئة السمعة، كسلاح في وجه كل الأصوات الحرة والمستقلة. فماذا كان موقف أزراج عمر يومها؟! لقد كان صحفيا في جريدة المجاهد الأسبوعي، لسان حال الحزب الواحد، وكان يسافر إلى بلاد الخارج، ويمثل الجزائر الأحادية في الأوساط الرسمية.. فلماذا لم يستقل عمر أزراج، تضامنا مع حق مناضلي الحركة الثقافية البربرية واعتراضا على القمع والحجر على الحريات. ثم لماذا لم يكتب أزراج عمر مدافعا عن حق الأمازيغ في أن تكون لغتهم وثقافتهم، وهي ثقافتنا ولغتنا، معترفا لها كلغة وطنية ورسمية؟! ثم لماذا لم يسجل عمر أزراج صوته النقدي تجاه ما تعرّض له الإسلاميون من قمع وملاحقات.. أو على الأقل تموقعه كيساري مما أقبل عليه الراديكاليون الإسلاميون من نشاطات خاصة في تجمع 1982 بالجامعة المركزية، وحركة مصطفى بويعلي؟! ثم كيف يتحدث أزراج عمر عن ماضيه كمناضل ناقد، وهو الذي كان عضوا في لجنة الثقافة وإعادة صياغة الدستور التابعة للحزب الحاكم الذي حارب الربيع الأمازيغي، ومهد طريق البيعة للشاذلي بن جديد؟! ويذكر أزراج عمر أنه تعرض لمحاولة اغتيال من طرف جهات غير معروفة، وذلك من خلال دهسه بسيارة في شارع طونجي كانت تجري بسرعة فائقة. لكن على حد علمي، أن طريق شارع طونجي، لا يتسع لسير السيارات، لا بسرعة ولا بشكل بطيء. الملاحظة الثانية، يقول الشاعر أزراج عمر أنه تمكن من الحصول على جواز سفر بواسطة، وكان عليه أن يسافر إلى بريطانيا خلال يومين رغم أنه كان ممنوعا من السفر أو شيئا من هذا القبيل.. لذا، فلقد اختار بحكم موقعه كمسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد، أن يمر بالقاعة الشرفية، وذلك لتجنب مراقبة جواز سفره في المطار عن طريق الكمبيوتر. ونحن في العام 1983 لم تكن ثمة مراقبة كمبيوترية لجوازات السفر. وإن كان اسمه في القائمة، فعلاقاته لا يمكنها أن تسمح له بصعود الطائرة، حتى وإن كان يمر بالقاعة الشرفية. يبدو أن ثمة خللا في خيال الشاعر.. ويقول لنا أزراج أنه منذ غادر الجزائر إلى بريطانيا لم يعد إلا في العام 2007. ويقول لنا أنه كانت تربطه علاقة صداقة بالوزير حمراوي حبيب شوقي. ويضيف أنه اتصل ذات مرة بالوزير، ليعلمه أن أحد المسؤولين بالجريدة التي كان يتعاون معها، أخبره أن القذافي ينوي تفجير أنابيب الغاز الجزائري على الحدود الليبية.. فقام شاعرنا باسم المصلحة الوطنية بإخبار الوزير وبالتالي إخبار السلطات. وبالفعل، يقول الشاعر أزراج عمر، إنه جاء رفقة من أخبره في زيارة رسمية إلى الجزائز وتم لقاء المسؤولين..! وهكذا قدم شاعرنا خدمة جليلة للسلطات آنذاك، خدمة للجزائر... (لا تعليق). ما سجلناه من ملاحظات على مذكرات الشاعر عمر أزراج لا يحط من قيمة القصيدة نفسها، ولا من قيمة أزراج كشاعر وكاتب. ويمكن الإشارة أن القصيدة التي أزعجت السلطات في مهرجان محمد العيد آل خليفة الشعري للكتاب العرب لم تكن وحدها، بل كانت قصيدة أخرى للشاعر عبد العالي رزاقي بعنوان "هموم مواطن يدعى عبد العال". والقصيدة الحقيقية التي أثارت فعلا الكثير من الإزعاج والقلق، هي قصيدة الشاعر الجيجلي عيسى لحيلح. وكانت القصيدة تنقد بشكل صريح وجريء نظام حافظ الأسد، ما جعل الوفد السوري يثور ويغضب وينسحب أعضاؤه من اللقاء..