الصورة وحدها كانت مدخلا إلى هذه الدردشة، لم نكن نعرفه عندما كان يتنقل بكرسيه المتحرك داخل أروقة جناح ''دار الفرابي اللبنانية''، ولم تمنعه حاجته إلى الحركة الطبيعية من حمل تلك الحزمة الكبيرة من الكتب الذي زاد وزنها وغلا ثمنها·· كان مشهدا جميلا يستدعي أخذ صورة رقمية تذكارية، وعندما ننتبه للصورة كان يبتسم، وعرفنا بأنه باحث مجد الفكر الفلسفي، هو ابن داود عبد القادر الذي صدر له هذه السنة كتابه الضخم ''المدخل الفلسفي للحداثة'' عن منشورات الاختلاف الجزائرية والدار العربية للعلوم اللبنانية· كيف تقدم كتابك ''المدخل الفلسفي للحداثة''؟ هو نقد فلسفي للعقل الغربي، الهدف منه أنه لا ينبغي الاشتباه بالغرب، لأنه لدينا خصوصية ثقافية وخصوصية بمعناها الواسع· ماذا اقتنيت من هذا المعرض؟ اشتريت كل ما استطعت الحصول عليه مما له علاقة بالفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة، هذا هو السياق الذي أشتغل عليه· مقابل ما تسميها ''فلسفة غربية'' هل هناك ''فلسفة عربية''؟ أعتقد أنه يوجد فكر عربي، أما عن وجود فلسفة عربية فأنا أشك في ذلك· أنت توافق إذن على القول بأن آخر فيلسوف عربي هو ابن رشد؟ ابن رشد أعتبره آخر باحث في الفلسفة وليس آخر فيلسوف، لأنه كان يستند على الكثير من أفكار أرسطو، وبالتالي هو آخر مشتغل على الفلسفة وليس آخر فيلسوف، لأن العبرة في الفلسفة هي أن تأتي بالإبداع الفلسفي، بالجديد والفكرة الفلسفية، أما أن تشتغل على طرح فلسفي فأنت باحث ولست فيلسوفا، أنا أشك في معيارية الفلسفة الإسلامية العربية أو التي تسمى كذلك· أنت تنفي وجود فلسفة عربية بالمطلق؟ هناك فكر فلسفي، أما فلسفة عربية فهذا شأن آخر· لكنك بالمقابل تؤكد على القول ''فلسفة غربية''، فلماذا هذا التحديد بالذات إذا كانت الفلسفة غربية بالمطلق؟ الفلسفة الغربية فيها الجديد، فالغربيون يسترجعون جذورهم الإغريقية، وإذا قلنا إغريق فإننا نقول الغرب بالضرورة، أما نحن فنسترجع أفلاطون وأرسطو وغيرهم، وهم ليسوا من ثقافتنا· ألا توافق أن الإغريق هم شرقيون بطريقة ما؟ إلى حد ما، لكن اليونان عموما يظل غربا· وإلى متى نعمد على تقسيم الفكر إلى شرق وغرب، أليس الفكر إنسانيا في النهاية؟ إذا انتفت الخصوصية، فلا يعود للفكر معنى إطلاقا، فلا بد من الخصوصية وصراع الحضارات يقوم على الخصوصية، والغرب وحركات الاستشراق كلها موضوعها الأساسي هو الخصوصية، وبالتالي لا بد من التمييز، فعندما نتكلم عن شيء ونقول إنه إنساني، فالإنسانية شيء تمييعي، فعندما تقول ''إنساني'' فأنت ترضى بالميوعة· أنت تشتغل على الفلسفة وتنادي بصراع الحضارات، أنت إذن مقاتل في حرب دينية لا فكر فيها؟ أنا أدعو إلى الخصوصية واحترامها وعدم اختراقها، فالأصل في الفكر هو أنت تحافظ على خصوصيتك، وألا تخترق، فإذا تم اختراقك ضعت وتلاشيت·