لم تكن مصر أولوية في الخطاب الإخواني، بل الأوطان ليست ذات قيمة، حتى جواز السفر لا يعتبرونه هوية، وحين يتنازل أحدهم عن جوازه لجنسيةٍ أخرى يجد ألف تبرير أقلها أن الجواز للسفر ومجرد ورقة. ولأن الأوطان ليست ذات قيمة في الخطاب فإن الأممية تجعل الأيديولوجيا حاكمةً للفعل، والتسجيلات التي رصدت لبعض قيادات الإخوان تثبت أنهم قالوا سنحرق مصر وسنجعل الأخضر واليابس في نار حامية. المشهد ساخن والعنف يستطيع رموز الإخوان أن يبدأوه لكنهم لن يستطيعوا إيقافه، الدماء التي تنزف الآن بمصر مسؤولية المحرضين على العنف، وإلا فلماذا يستهدفون الجيش والشرطة والكنائس؟! الإخوان بمصر يمارسون أيديولوجيتهم والغرابة أن تستغرب من أفعالهم فهذا هو الشيء الطبيعي وما يقومون به إنما هو ترجمان لأفكارهم العنفية، والفرق بينهم وبين القاعدة في الدرجة لا في النوع. وإذا تصفحنا الصحف العربية وكبار الكتَّاب نجد أن الإخوان يحضرون في المساءلة والنقاش بوصفهم أساس المشكلة، مثلاً جهاد الخازن عنونَ مقالته ب«الإخوان يضحون بمصر"، وعبدالرحمن الراشد كتب "تهديد الإخوان للغرب بالعنف"، ومصطفى زين كتب "خيبة واشنطن بمصر". الإخوان يضعون العراقيل وقد وضعوها أمام أي حل يمكن أن يحقن الدماء. الأحزاب السياسية الطبيعية لا تلجأ إلى العنف لأن السياسة في بعض وجوهها فن التفاوض، ولا معنى لأن تبقى أسير الرأي الأحادي، أو الحقيقة المطلقة. مشكلة الإخوان أنهم في السياسة مصمتون بسبب الأيديولوجيا، ذلك أن السياسة ليست حقائق ولا فيها باطل وحق، ولا فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر، السياسة مصالح ومجموعة أفكار متداولة أو سياسة الشراكة والمداولة كما يقول علي حرب. المصالح أساس التفاوض، والإخوان لم يبدعوا في التفاوض ولا في القيادة ولا في المعارضة بمعنى أنهم أمام إرث من الفشل الذريع الذي لا يحسدون عليه. في كتاب اسمه "هؤلاء هم الإخوان" لمجموعة كتَّاب تضمن مقالاً لعميد الأدب العربي طه حسين استعرض ما سادَ مصر آنذاك من عنف تجسّدَ في محاولة اغتيال جمال عبدالناصر عام 1954 في ما عُرفَ بحادثة المنشية، التي نفذها محمود عبداللطيف أحد أعضاء تنظيم الإخوان. وأشار طه حسين إلى أن الضباط الأحرار أثناء تنفيذهم لثورة 23 يوليو لم يجنحوا للعنف والقتل رغم امتلاكهم للسلاح والعتاد قائلاً: "ألم نشهد منذ عامين ثورة يشبها الجيش وفي يده من وسائل البأس والبطش ما يغري بإزهاق النفوس وسفك الدماء ولكنه يملك نفسه ويملك يده فلا يُزهق نفسا ولا يُسفك دما ولا يأتي من الشدة إلا ما يمكن تداركه.. كل هذا لأن مصر لا تحب العنف ولا تألفه ولأن نفوس أهلها نقية نقاء جوها"؟! بآخر السطر، حمى الله مصر من بعض أبنائها فأسوأ الظلم أن يأتيك من ذوي القربى. "الرياض" السعودية