يشير إعلان وزير النفط الليبي عبد الباري العروسي أن بلاده خسرت 1,6 بليون دولار من العائدات النفطية منذ 25 تموز (جويلية) الماضي، بسبب إغلاق المرافئ النفطية الأساسية نتيجة الإضرابات وتحذيره من أن استمرار الوضع على ما هو قد يغرق ليبيا في الظلام ويدهور الأوضاع في ليبيا. لقد ساد الارتياح في العالم عند تخلص هذا البلد الغني في شمال إفريقيا من ديكتاتور حكمه أكثر من أربعة عقود ودمر كل معالم الدولة فيه. فقد ترك معمر القذافي ليبيا من دون مؤسسات ومن دون جيش. وارتكز نظامه على حكمه الذاتي مع جماعته وإبداعه فكرة استبدال مؤسسات الدولة بلجان شعبية تصفق لحكمه المجنون ولكتابه الأخضر التافه. إن إرثه انتهى بليبيا ما بعد الثورة إلى بلد انتشر فيه السلاح أينما كان وأصبح في حوزة عصابات تفرض نظامها بالسلاح مع حكومة لا يمكنها أن تعمل أي شيء سوى الكلام أو الاستقالة. كانت ليبيا قبل الثورة تصدّر أكثر من مليون ونصف مليون برميل من النفط، في حين أن الإضرابات وإغلاق الموانئ التصديرية أدى إلى انخفاض صادراتها النفطية إلى 330 ألف برميل في اليوم. وكل الشركات النفطية التي تعمل في ليبيا من ألمانية وإيطالية وفرنسية تتوقع المزيد من المشاكل في قطاع النفط بسبب الإضرابات وأيضاً بسبب عدم توافر الأمن في البلد. فليبيا ما بعد الثورة لم تنهض بسبب العصابات المسلحة التي تمسك بزمام الأمور بدل أن تكون هناك حكومة قوية وشرطة وجيش ينزع السلاح من هذه العصابات. صحيح أن التدخل العسكري نجح في إطاحة القذافي. ولكن الثورة فشلت في إرساء خطة سياسية لدولة قوية تبدأ بتأمين سلامة المواطن الليبي عبر تأسيس جيش نظامي أو شرطة تتمكن من نزع سلاح العصابات التي تفرض حكمها على البلد. كان الأمل كبيراً لدى إطاحة القذافي بأن المعارضة الليبية التي تمكنت بمساعدة الغرب من قلب نظامه ستعمل على بناء جيش قوي يستطيع تسلم أمن البلد وإطاحة العصابات وقادتها، إلا أنها فشلت في ذلك، وبلغ مستوى انعدام الأمن في ليبيا حداً خطيراً. فالعصابات الموجودة مكونة من جهاديين إرهابيين نصابين يزعمون الحديث باسم الإسلام، بينما هم دعاة إرهاب وتخويف وسرقة لثروة بلدهم. إن القطاع النفطي في ليبيا هو العصب الأساسي لاقتصاد البلد وإذا تدهور هذا القطاع سيستمر تراجع البلد إلى الأسوأ. فمن الضروري أن يتمكن الليبيون من الاستفادة من ثروتهم الطبيعية ومن ثورة أفرجت عنهم ولكنها مازالت تحول دون نهوضهم وخروجهم من ظلام حكم القذافي. والمطلوب من الدول الغربية التي ساعدت على إطاحة القذافي أن تساعد الحكومة على تدريب قوة ليبية تسيطر على هذه العصابات وتنزع السلاح منها. والمهمة صعبة ومعقدة في بلد غابت عنه المؤسسات وأي نظام دولة منذ أكثر من أربعة عقود. ولكن عائدات النفط ينبغي أن تكرس في هذه المرحلة لتأسيس جيش أو قوة حقيقية تتسلم الأمن وإلا تحولت ليبيا إلى دويلات تسيطر عليها هذه العصابات. وينبغي التنبه إلى أن الأوضاع في سورية وفي مصر ليست مماثلة. فالثورة السورية تواجه نظاماً وحشياً ولكن للبلد مؤسسات دولة لم تكن موجودة في عهد القذافي. وفي مصر هناك جيش ومؤسسات دولة لعبت دوراً في قلب الرئيس مرسي بطلب من المعارضة التي ملأت شوارع مصر مطالبة برحيله. فالثورات تختلف ولكن مما لا شك فيه أن استقرار البلدان بعدها كما حصل في أوروبا يأخذ وقتاً طويلاً قبل أن يسود شرط ألا يتفكك البلد وألا يقوم الحاكم بالسعي إلى ذلك مثلما يفعل الأسد في سورية. "الحياة" اللندنية