هو مظفر النواب الذي حمحم بشجن المحرمات على امتداد رحلة الحنين إلى / جسر المباهج القديمة /، في شعره إدانة لجميع الذين انبطحوا وغيروا جلودهم، فقصيدته / القدس عروس عروبتكم / مثلت في تاريخ الشعر العربي المعاصر قمة الغضب الذي يمكن أن يصله شاعر ويعبر عنه بكل البذاءات التي لا يحتملها السمع· كان شيوعيا في زمن كانت الشيوعية موضة وهو المنحدر من أسرة ارستقراطية ، وحين انقلب الرفاق القدامى على مبادئهم ظل وفيا لذاته وللشعر وللغضب الذي يجعل الكلمات شهبا لرجم الذين باعوا الأحلام والوطن، كان متسكعا، صعلوكا، وظل كما هو، رفيق المنافي والزنزانات الباردة، وصوت المتعبين، وهو الآن في طي الغياب، طي الترحال·ربما مات، ربما تحول لبائع لعب أطفال في شوارع دمشق القديمة، ليقول شعرا آخر للصغار الذين آمن بهم، وبأنهم وحدهم القادرين على محو عار / الندامى / ، هو الذي لم يكتب عبر مسيرته الشعرية الطويلة والمتذبذبة غير كلمات أرادها /رسائل حربية عاشقة/، فالحب والحرب كانا قضية حياته الجوهرية، أو قضيه شعره، مع أنه لا فرق بين شعر مظفر النواب وحياته· مظفر النواب، الحامل لأرث الغضب العربي الممتد عميقا في التاريخ، أحبه وأحب صعلكته في شوارع بغداد ودمشق، كما استعذب غضبه وكلماته البذيئة جدا والصادقة جذا؛ ذلك الذي لا يقول أي شيء في الخفاء، لأنه شفاف وطاهر وصادق مع ذاته، ولا يهمه ما سيقوله عنه الآخرون الذين لم يخجل يوما في مصارحتهم بحقيقتهم العارية ·