الفواكه البرية خطر على الصحة    الجزائر وإثيوبيا تؤكدان ارادتهما في ترجمة علاقاتهما "الممتازة" إلى التزامات اقتصادية    ابراهيم مراد : الجزائر اعتمدت مقاربة شاملة لمواجهة الاتجار بالبشر    عطاف يجري محادثات مع حمود علي يوسف : بحث آفاق تعزيز التعاون والتنسيق بين الجزائر ومفوضية الاتحاد الإفريقي    خبراء اقتصاديون: إنشاء هيئتين للاستيراد والتصدير سيمنح شفافية وانسيابية للتجارة الخارجية    طاقات متجددة : إطلاق مشروع "طاقاتي+" بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي وألمانيا    السيد شايب يستقبل الوفد البرلماني للصداقة الموريتانية -الجزائرية    المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة : نهاية تربص "الخضر" بمركز فوكة (تيبازة)    صادي يؤكد على ضرورة تفعيل الرياضات المدرسية والجامعية    الأمم المتحدة: مجلس الأمن يعقد اجتماعا مغلقا حول قضية الصحراء الغربية    وزارة الصحة تحذر من مخاطر التناول المفرط لأدوية مادة الباراسيتامول    المغرب: مطالب بمنع رسو سفن محملة بمعدات عسكرية بموانئ المملكة تستخدم لإبادة غزة    النظام الوطني للتنظيم الصيدلاني محل تقييم ذاتي تحت إشراف منظمة الصحة العالمية    ندوة تاريخية في قصر رؤساء البحر : لاحياء يوم العلم الحركة الإصلاحية في الجزائر..مسيرة التحولات ومسار التحديات    الرابطة الثانية هواة: تحديد تاريخ 14 مايو كآخر أجل للأندية لتسديد ديونها    قسنطينة: 20 مشاركة في معرض لفنانات الشرق الجزائري    كأس الجزائر /نصف النهائي/ : "داربي" واعد بين اتحاد الحراش واتحاد الجزائر, قمة غير مسبوقة بين شباب بلوزداد ومولودية البيض    هدف تاريخي ومساهمات حاسمة أمام توتنهام..آيت نوري يسطع في سماء البريمييرليغ    البليدة..معركة أهل الوادي انتصار على ترسانة العدو الضخمة    سوق أهراس..تنظيم دورة تكوينية ل 78 مستشارا للتربية الرياضية    الجزائر العاصمة : حملات تحسيسية حول سوء استعمال الغاز الطبيعي    جنايات العاصمة الاستئنافية : الحبس لثلاثيني دبّر لهجرة سرية عبر البحر ل 20 أفريقيا نحو اسبانيا    غليزان.. تنصيب 13 موزعا آليا للنقود عبر المكاتب البريدية    حماس مستعدة لإطلاق سراح المحتجزين مقابل وقف إطلاق النار : استشهاد 6 فلسطينيين بقصف إسرائيلي على خان يونس    أول تعليق من أحمد قندوسي على إصابته المروعة    ملتقى دولي حول الذكاء الاصطناعي بالشلف, ضرورة الاستثمار وخلق مؤسسات ناشئة في هذا المجال    افتتاح جناح الجزائر بمعرض أوساكا كانساي باليابان    احتجاج جزائري شديد على فرنسا    وزارة التربية تُحذّر..    ظاهرة الكهول العزّاب تتفشّى في الجزائر    إعادة ترتيب العالم أم تعميق لركوده وأزماته؟    غزة: رحيل طوعي أم تطهير عرقي ؟    سطيف: عروض عديدة في انطلاق الطبعة الثالثة للأيام الدولية لألعاب الخفة    ما هو العذاب الهون؟    الانتخابات الرئاسية بالإكوادور: فوز الرئيس دانييل نوبوا في الدور الثاني    الرئيس يدعو إلى تجنّد الجميع    الجزائر تشارك بنيويورك في أشغال منتدى الشباب التابع للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة    ينبغي الحفاظ على "الصورة المشرفة" للبعثة الطبية الجزائرية    مولى: 82% من مناصب الشغل الجديدة بالقطاع الخاص    اتفاقية تعاون وشراكة في التعليم العالي والبحث العلمي    تراجع في أسعار السردين بسكيكدة    إطلاق الشطر الثاني لتأهيل الطرقات    نتوقّع مواقف جد متقدّمة من أعضاء مجلس الأمن    تكريم وجوه فنية بارزة    الدورة الثامنة من 26 إلى 30 ماي    انتعاش الدراما الأمازيغية في 2025    البيض: الطريقة الشيخية الشاذلية تأكد دعمها المطلق للموقف الرسمي للسلطات العليا للبلاد    شباب يتطلعون للجمال الأنثوي    هكذا ساهم منتخب "الأفلان" في استقلال الجزائر    تتويج أولاد الباهية (ذكور) ومولودية الجزائر (إناث) والتنظيم ينال الامتياز    الكسكسي.. جزائري الأصل ب 300 صنف    المجلس الشعبي الوطني: مدير ديوان الحج والعمرة يستعرض آخر تحضيرات موسم الحج 1446ه    يحي سعد الدين نايلي مديراً عاماً جديداً لصيدال    عربٌ.. ولكنهم إلى الاحتلال أقرب!    11 موقعاً جزائرياً.. نحو العالمية    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    الحضارات الإنسانية لا تعادي الثقافات النبيلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة البحث عن المثقف الجزائري
نشر في الجزائر نيوز يوم 26 - 08 - 2013

إنّ من أهمّ التحديّات التي يعيشها العالم العربي اليوم، وإن كان أقلّ بروزا وإلحاحا، هو التحدي المعرفي وأوّل هذا التحدي هو تحدي المصطلحات والمفاهيم، تحدي قراءتها وبنائها وتوطينها في التفكير العربي، فمثلا ما الذي تعنيه تحديدا الثورة
أو الديموقراطية في السياق العربي الحالي دون تعريفها حرفيا من كتب التاريخ الفرنسية أو غيرها. إن الحراك السياسي الحالي الذي تعيشه أغلب البلدان العربية قد عمّق حاجتنا إلى ضبط تمثّلنا وفهمنا وتعريفنا لبعض المفاهيم أو لإعادة تعريفها من جديد وإنّ هذا الدور قد أصبح اليوم منوطا أكثر من أي وقت مضى بالنخب المثقفة في العالم العربي، هذه النخب التي لم تعد مهمتها قيادة المجتمعات في تغيراتها الكبرى، الأمر الذي أثبته المسار الثوري في تونس وفي مصر، بل تفكيك هذه التغيرات وتحليلها وإنتاج كل الأدوات المفاهيمية التي يجب أن ترافق هذا التحليل. إنّ هذا يجعل من الحديث عن موت المثقف (على الإطلاق) وانتهاء النخبة كلاما غير دقيق في هذا السياق ولا يتناسب مع حقيقة اجتماعية وتاريخية للعالم العربي.
إنّ هذا ما نعتقد أنّه الدور الملحّ للمثقف العربي في هذه اللحظة التاريخية، لكن من هو هذا المثقّف؟
دون أن ندخل في درس أكاديمي عقيم حول تعريف المثقف، الذي لا مكان له هنا. نريد الإشارة إلى ثلاث نقاط، أولها هو وجوب تعريف المثقف العربي أو الجزائري في السياق المحلي التاريخي والجغرافي له دون البحث عن مثال/صنم له في السياقات الأخرى الفرنسية، الروسية أو الأمريكية وإسقاطها عليه، في هذا الشأن ينبغي الإشارة إلى أنّ "المثقف" صفة (وإن كانت وظيفة) يطلقها الكثير من الكتاب والصحفيين على كل من يشتغل في حقل الثقافة متناسيين أنّ بين le cultivé الصفة و l'intellectuel الوظيفة فرق كبير تجمعهما اللغة العربية في كلمة واحدة هي المثقف، هذا ما يقودني إلى النقطة الثانية وهي أنّنا نستطيع بل يجب أن نعرّف المثقف l'intellectuel انطلاقا من وظائفه، وأهم وظائفه هو النقد، وهذا الأخير يتطلب مسافة تفصل المثقف عن السُلط (ة) وخاصة السلطة السياسية والمجتمع (الكثيرون ممن يسمون مثقفين في الجزائر لا يملكون أي مسافة تفصلهم عن المجتمع، والمسافة هنا تعني على الأقل مغادرة التقاليد الشفهية الراسخة والعميقة في المجتمع الجزائري إلى تقليد الكتابة والتدوين، وهذا ما لا يتوفر في كثير ممن يسمون تجاوزا مثقفين) النقطة الثالثة هي أنّ المثقف لا يصبح مثقفا متى ما تخلّى عن وظائفه كمثقف وأولاها النقد.
على ضوء هذا أريد أن أذكر بعض التصريحات أو النشاطات لبعض الكتّاب والأساتذة الجامعيين الجزائريين في المدّة الأخيرة التي أرى أنّها تعكس بوضوح انكفاء وتراجع وغياب واستقالة في بعض الأحيان المثقف الجزائري.
أولها كان عندما استضاف مركز الدراسات والأبحاث القليسين بالجزائر العاصمة منذ أكثر من شهرين الروائي والمترجم محمد ساري والذي أجاب عن سؤال لأحد المتدخلين حول ما يسمى بالمشكل اللغوي في الجزائر قائلا: "أنا لست وزيرا للتربية، المهم أني أتقن اللغتين العربية والفرنسية بشكل جيّد وجعلت أولادي يتقنونهما مثلي والباقي لا يهمني"، إنّ هذه الاستقالة الرمزية من المساهمة في بلورة أسئلة الثقافة الجزائرية أو التاريخي/ الراهن الجزائري أو في إضافة إجابة لهذه الأسئلة هي استقالة يمكن أن نلمسها عند أغلب الجامعيين والكتاب ومشاريع المثقفين منذ منتصف التسعينات وتحديدا بعد اغتيال أو موت عدد كبير من المثقفين الجزائريين الكبار أمثال امحمد بوخبزة وبوسبسي وعبد القادر علولة وبختي بن عودة وجيلالي اليابس وهجرة البقية، إنّ هذه الاستقالة الرمزية قابلها مؤخرا إحساس ملفت وغريب لبعض الكتّاب والصحفيين والأساتذة الجامعيين بالمسؤولية تجاه ما يحصل في مصر وقيامهم بإمضاء تصاريح ومنشورات باسم المثقفين الجزائريين لدعم الشرعية في مصر أو لدعم هذه الجهة أو تلك، رغم أنّ نفس المجموعات كانت مستقيلة تماما وتبدو غير مكترثة بتحولات الجزائر على المستويين الاجتماعي والسياسي، وأذكر هنا مثلا صمت المثقفين والكتاب والأساتذة الجامعيين على اختطاف الدبلوماسيين الجزائريين شمال مالي أو انتفاضات الشباب الجزائري في 2011 أو احتجاجات الجنوب أو قضايا الفساد أو الحرب في مالي وفتح الأجواء الجزائرية للطيران الحربي الفرنسي أو غياب رئيس الجمهورية وأسئلة التغيير في الجزائر.
الثاني هو عندما استضاف فضاء ألف نيوز ونيوز الأستاذ الجامعي عبد العزيز جرّاد في إحدى سهرات رمضان الماضي لنقاش مسألة المثقف وعلاقته بالسلطة السياسية، عندها استمات الأخير في الدفاع عن المثقف الوظيفي الذي يغيّر من داخل النظام السياسي، الضيف وان أعوزه التدليل العقلي والمعرفي والتاريخي على هذه الفكرة فقد جعَل في مداخلته المثقف هو كلّ من يحمل شهادة أو رصيدا معرفيا. وحتى وإن وافقنا على ما ذهب إليه عبد العزيز جرّاد فإنّه قد أغفل شيئين أساسيين الأوّل هو أنّ من وظائف المثقف نقد السلط (ة) ومن بينها النظام السياسي فإذا كان جزءا منه استحال عليه نقده، لأنّ النقد بكل بساطة يتطلب المسافة، مسافة للرؤية حسب تعبير أرسطو، وهذا تحديدا ما جعل إدوارد سعيد يقول بأنّ لا مكان للمثقف النقدي داخل السلطة السياسية، ثانيهما أن نقد السلطة السياسية يستدعي التفكير في بنيتها وتشكيلها وتكوّنها والحد الأدنى من هذا التفكير حول النظام السياسي الجزائري يدلّنا على أنّه رفض دائما المثقف وهمّشه وجعله كأي شريحة أخرى في المجتمع، وفي هذا، تحليل بسيط لمجموع خطابات هواري بومدين على سبيل المثال يدلنا على أن المثقف أو الجامعي هو فرد في المجتمع يكلّف كبقية الأفراد بالتطبيق فيطبق السياسات مثل الثورة الزراعية أو الصناعية أو الثقافية (تحديدا) بشكل جيّد، فقط لأن تكوينه التقني يسمح له بذلك. في هذا الباب تبدو إسهامات المثقفين الجزائريين في تحليل وتفكيك النظام السياسي الجزائري قليلة جدا، وبذلك الأحرى أن يقف المثقف الجزائري خارج هذا النظام لا داخله.
ثالثا، غالبا ما يكرّر الكثير من الكتاب الجزائريين وناشطو المجتمع المدني أنّهم لا يمارسون السياسة ولا يتكلمون في السياسة وهذا في كل مرّة يجدون فيها أنفسهم أمام موضوع يتقاطع مع الشأن العام، إن هذا الرفض أو الهروب يعني أحد أمرين: إمّا الخوف وهو غير مبرر في كثير من الأحيان، أو عدم إدراك شيء أساسي وهو أنّ السياسة تتسرّب إلى كل شيء في الحياة الحديثة للإنسان، هذا إن أردنا أن نعيش حداثة حقيقية أو أن نبحث عنها.
إنّ ما يمكن أن نقوله بكل مرارة بعد هذا الكلام المقتضب هو أنّ الجزائر بعد خمسين سنة من الاستقلال ما زالت تبحث عن مثقف(ي)ها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.