مقابلة الرئيس بشار الأسد مع صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية تؤكد مجدداً شخصيته التي تنكر الواقع. فهو ينتقد فرنسا، ويقول عنها إنها فقدت استقلالها وتابعة للسياسة الأميركية في حين أن نظامه لا يمكن أن يبقى ولا يعيش لولا اعتماده على روسيا وإيران و«حزب الله". منذ الهجوم الذي قتل فيه القياديون الأمنيون السوريون في دمشق وفي طليعتهم آصف شوكت صهر الأسد، تسلم "الحرس الثوري" الإيراني إدارة القتال في سورية، لأن نظامه غير قادر وحده على ذلك. وأجبر "حزب الله" على إرسال خيرة شبابه الذين ما زالوا في سن المراهقة ليُقتلوا في سورية لحساب النظام وضد إرادة أهلهم. فالأسد يتكلم عن تبعية فرنسية لأميركا في حين أنه ما كان استمر لولا تبعيته لإيران وروسيا. إن أقواله في الصحيفة الفرنسية وتهديداته للمصالح الفرنسية تدخل في خانة تاريخه وتاريخ النظام القاتل. مثلما هدد الرئيس الشهيد رفيق الحريري عندما التقاه في المرة الأخيرة في دمشق أنه سيهدم جدار لبنان عليه وعلى جاك شيراك، ها هو يجدد التهديدات للمصالح الفرنسية إن شاركت فرنسا في الضربة العسكرية لسورية. منذ سنتين يقصف الرئيس السوري ويضرب شعبه بصواريخ "سكود" التي تمده بها روسيا. ومنذ سنتين تقصف روسيا وإيران الشعب السوري البريء ولم يردعهما أحد. والآن، يهدد الأسد المصالح الفرنسية وكأن فرنسا دولة صغيرة لا تدرك أنه لا يحتاج إلى التهديد لتعرف أنه سيقوم بأعمال إجرامية وإرهابية ضدها. إن الغرب ضعيف بسبب ضعف وتردد الرئيس الأميركي باراك أوباما في وجه الديكتاتوريات وإرهابهم. ومما لا شك فيه أن الارباك أتى من بريطانيا وديموقراطيتها التي أجبرت رئيس الحكومة على التراجع عن المشاركة في ضربة محتملة. وقد أثار ذلك استياء الإدارة الأميركية من عدم إعداد كامرون برلمانه في شكل جيد لهذا الموضوع. وأوباما الذي ينظر أولاً إلى الرأي العام (الذي لا يبالي بما يحصل في سورية لأن الأميركي البسيط لا يعرف حتى أين سورية على الخريطة) لم يكن عازماً على القيام بأي عمل عسكري لولا الهجوم الكيماوي وتهديده منذ سنة بأن استخدام الكيماوي تجاوز للخط الأحمر. لا شك في أن الرفض البريطاني ساهم في تأخير أوباما للضربة وطلب تصويت الكونغرس. ولا شك في أن الرئيس فرانسوا هولاند كان في الطليعة لمعاقبة النظام السوري لاستخدامه الكيماوي، ولكن ليس في إمكانه أن يذهب وحده من دون التأييد الأوروبي ومن دون الولاياتالمتحدة لضرب النظام القمعي، لأن فرنسا عضو أساسي في الاتحاد الأوروبي وحليفة للولايات المتحدة. كان الرئيس الفرنسي يتمنى أن تكون الضربة للنظام السوري في أسرع وقت، ولكنها تأخرت إن لم تؤجل إلى ما لا نهاية بسبب الكونغرس الأميركي. وقد تغير قمة مجموعة العشرين في سان بطرسبورغ الأمور إذا تم الاتفاق بين أوباما وبوتين وهولاند وكامرون وميركل والقيادة السعودية التي هي عضو في المجموعة على حكومة انتقالية في سورية وعلى أن يتم الاتفاق على عقد مؤتمر جنيف. ولكن هذا حالياً مستبعد ولو أنه ممكن إذا شعر الجانب الروسي بأن القرار الأميركي جدي بتوجيه ضربة قاسية إلى النظام. ولكن بوتين رئيس قمعي بنموذج نظيره السوري. فالتغيير مستبعد إذا لم يقدم أوباما شيئاً ملموساً لبوتين. س* عن "الحياة" اللندنية الأربعاء 28 شوال 1434ه - 4 سبتمبر 2013م