مصر اليوم أمام مفترق طرق، وأي خطأ سيؤدي بها إلى الهاوية، ومن يعتقد غير ذلك فهو واهم، فالانقلاب العسكري الذي أجهض العملية الديمقراطية في المهد، وأطاح بأول رئيس مدني منتخب، وعطل العمل بالدستور، وأزاح مجلس الشورى، قد أدخل البلد في مرحلة الفوضى واللااستقرار، وذلك من خلال المظاهرات والمسيرات التي تقوم بها المعارضة الشعبية الرافضة للانقلاب، التي تطالب بعودة الشرعية كاملة غير منقوصة، وافتعال الأزمات من طرف الانقلابيين بحجة محاربة الإرهاب، وما يدور في سيناء خير دليل على ذلك، والتقارير الإعلامية التي تصل من هناك تؤكد أن العملية التي يقوم بها الجيش المصري لا علاقة لها بالإرهاب، بل هي عملية إبادة وتطهير، الهدف منها هو إفراغ سيناء من ساكنيها بغية منحها الكيان الإسرائيلي كما فعل الأسد للجولان، وذلك حتى يسيطر على الحكم أكثر. سيناريوهات المستقبل: إن خريطة المستقبل التي وضعها الفريق الأول عبد الفتاح السيسي، قد أثبتت فشلها بمرور الأيام، مما يجعل سلطة الانقلاب أمام امتحان صعب، فمواصلة الطريق على هذا النحو قد تؤدي إلى تعفن الوضع أكثر، ذلك أن من بين النتائج التي ترتبت عن الانقلاب العسكري الانقسام الذي أصاب الشعب فيما بينه من جهة، وبين الشعب والجيش من جهة أخرى، حيث أصبح الشعب ينظر إلى الجيش على أنه قاتل ودموي لا يختلف كثيرا عن جيش بشار الأسد، خاصة بعد المجازر التي استهدفت ميداني رابعة العدوية والنهضة، التي أدت إلى مقتل المئات. قد يؤدي هذا الانقسام إلى الاستقطاب أكثر، الأكثرية الشعبية التي تؤيد عودة الشرعية في مقابل الأقلية المستفيدة التي تدعم سلطة الانقلاب، وبما أن سلطة الانقلاب تتعامل مع هذا الآخر (غير الشريف) وكأنه عدو من خلال إهانته واحتقاره واعتقاله، وفي بعض الأحيان قتله، فتتشكل لدى الآخر كراهية شديدة لكل ما يرمز لهذه السلطة، فيحدث الصدام وتتحقق النبوءة التي قالها هنري كسنجر لأجل إضعاف مصر وتقسيمها، فكسنجر يرى في مصر قوتين، الإسلاميون من جهة والجيش من جهة أخرى، ولن تضعف مصر إلا بعد أن يحدث الصدام بين الطرفين، فيتحقق بذلك الهدف الذي تسعى إليه الدوائر الصهيونية، من إضعاف الدولة المصرية وتآكل قوتها المتمثلة في الجيش، وبعد ذلك تقسيمها إلى دويلات بحسب الدين والعرق. لعل ما يقوم به الجيش المصري في سيناء هو المقدمة الأولى لتحقيق هذه النبوءة، فتلك الصورة المرسومة في وجدان المصريين عن جيشهم، وأنه جيش لحماية الوطن والشعب، سرعان ما اهتزت وتعرضت للخدش، وبدأت تتآكل يوما بعد يوم، وأصبح كغيره من جيوش العالم الثالث الذي لا يستطيع قادته أن يعيشوا بعيدين عن مراكز القرار، أو أن يتنازلوا عن امتيازاتهم الخاصة، فالتقارير الصحفية التي تصل من سيناء من استهداف للأهالي ولبيوتهم، وإحراق للأشجار والحقول، وقصف للمساجد، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك مدى الشرخ الذي صنعه الانقلاب، والسؤال الذي يطرح في هذا المقام هل وجود الجماعات الإرهابية في سيناء مبرر لهذه العمليات، وبهذا الحجم؟، وهل ربط الإرهاب بالإخوان المسلمين فيه جانب من الصواب؟ في كل مرة نقول بأن الإرهاب لا علاقة له بالإسلام ولا بالجماعات الإسلامية التي تتخذ الدين الإسلامي كمرجعية في التفكير والممارسة، إنما هو صناعة مخابراتية، حيث تلتقي في هذا الكيان الموسوم بالإرهاب عصابات التهريب تجار السلاح والمخدرات، وبما أن سيناء منطقة صحراوية تعيش حالة فراغ أي خالية من التعمير والبناء وحتى الأهالي، وبذلك تصبح ساحة للتجارة المحظورة، حيث تحاول الدوائر المخابراتية نسج علاقات مع هذه العصابات حتى تقوم بأدوار تعود بالفائدة على العصابات والسلطة الحاكمة في الوقت نفسه. إذاً، قد تكون هذه الجماعات صناعة مخابراتية مصرية موكولا إليها تنفيذ أجندة في زمن محدد ومكان محدد، وخاصة في هذا الوقت الذي تحتاج فيه السلطة الانقلابية إلى تثبيت دعائم سلطتها، وتوجيه أنظار الرأي العام عن مشاكلها الحقيقية، وأن هناك معركة وطنية.. قومية، تدور رحاها ضد عدو يريد إفساد حياة المصريين ومعيشتهم، لذلك يجب عليكم يا مصريين أن تتقبلوا الحالة الاستثنائية التي تستدعيها الظروف الصعبة، ويفرضها الواقع المستجد. أما ربط الإرهاب بالإخوان المسلمين فهو دليل آخر على تخبط هذه السلطة التي لم تستطع أن تحقق الوعود التي قطعتها مع الشعب، فقادة الجيش والشرطة والمخابرات يعلمون قبل غيرهم بأن نهج الإخوان سلمي بامتياز طيلة تاريخهم النضالي، وشهادة الجنرال عصام العصار دليل على ذلك، فلا داعي لهذه الأسطوانة المشروخة التي أثبتت الأيام بأنها عارية من الصحة. ضف إلى ذلك، أن الذي تُسيطر عليه شهوة الحكم مستعد للقيام بأي شيء من أجل أن يحقق ما يريد، ولعل الفريق الأول عبد الفتاح السيسي الذي ذاق المديح من الانتهازيين والمتملقين، والأضواء الإعلامية مسلطة عليه، والأغاني وقصائد الشعر تؤلف في شأنه، قد أخذته العزة بالإثم، وأصبح يفكر فيما كان حلما بعيد المنال، وبما أن مصر دولة محورية في المنطقة العربية، والسيطرة عليها كنز استراتيجي تسعى إليه الدول الكبرى منذ القدم، ولن تتحقق هذه السيطرة إلا بتنصيب من يقوم بالدور المنوط به على أكمل وجه من أمثال مبارك..، وحتى تصل إلى رضا هذه الدول لابد من تنازلات حتى تثبت بأنك أهل لذلك، والتاريخ يخبرنا كيف تنازل حافظ الأسد عن الجولان حتى تبقى عائلة الأسد الحاكمة الأبدية لسوريا، فهل ما يقوم به السيسي في سيناء من حرب إبادة ضد مواطنين أبرياء، الغاية منها هي تهجير أهلها، وبعد ذلك منحها إسرائيل؟، وذلك كله من أجل أن يحقق أمانيه المتمثلة في اعتلاء كرسي الحكم والرئاسة. كل شيء ممكن في هذا الزمن العربي التعيس الذي تخلى فيه حكام العرب عن كل شيء، عن كرامتهم وثروات أوطانهم من أجل أن يحافظوا على كراسيهم، فهذا همهم، وهذه أغلى أمانيهم.. فالشيء المؤكد اليوم بعد مرور أكثر من شهرين على الانقلاب هو أن مصر تنزلق لا قدر الله إلى النموذج السوري، يكون الجيش في حالة صدام مع الشعب، فهل يعي الانقلابيون ما أقدموا عليه؟ أما السيناريو الآخر الأقل كلفة، فهو ضرورة تفويت الفرصة على أعداء مصر، وتقليل إهدار أرواح المصريين، حيث يوفر لهم أموالهم ومنجزاتهم، فيتمثل في عودة الشرعية، قد يختلف البعض في التفاصيل أيعود مرسي أم لا؟، هل يستفتى الشعب على عودته؟، هل يبقى مدة قصيرة تليها انتخابات برلمانية ثم رئاسية؟، أيعدّل الدستور أم يعاد صياغته من جديد؟، إلا أن الأغلبية الساحقة تتفق بأن عودة الشرعية هي الدواء الشافي لهذا المرض الذي زرعه الانقلاب في الجسد المصري، بمعنى آخر أن مفتاح الحل يكمن في لفظة عودة الشرعية. والسؤال الأخير الذي يطرح هل من الممكن أن تعود الشرعية؟ عن هذا السؤال يجيب المفكر العالمي "نعوم تشومسكي" بقوله: "لن يصمد الانقلاب أمام عزلة دولية، ولا أمام أزمة اقتصادية، ولو بألف كذبة إعلامية.. المهم، هل يصمد الإسلاميون (المصريون) على حشودهم ومطالبهم؟ هنا فقط يمكن أن نقول إن عودة مرسي (الشرعية) ليست أمرا مستبعدا، ولكن ذلك لن يحدث بدون صفقة، ولا أقول مبادرة، فخلف كل مبادرة صفقة، ونتمنى ذلك، فمزيد من الدماء سيزيد الوضع تعقيدا لا محالة.