منذ ربع قرن، قادت السلطة القائمة آنذاك حركة تمرد ضد النظام السياسي الأحادي: زج بالشعب إلى الشارع ثم زج بالجيش لمواجهة حركة الشعب. لأول مرة يواجه الجيش الوطني الشعبي حركة الشعب بالدبابات في شوارع العاصمة. صراع العصب المتنازعة على الحكم أخرج إلى الشارع. وحين شعروا بالخطر زجوا بالإسلاميين إلى الشارع لخلط الأوراق: إفساد لعبة الإصلاحيين وتخويف القوى الأجنبية. وحين استفحل خطر الإسلاميين على النظام دفع بالجيش لاستخدام القوة ضد الجميع. والنتيجة: خرجت الجزائر من معسكر النظام الأحادي ودخلت في معسكر النظام الانفتاحي: انفتاح على الخارج وانغلاق على الداخل - انفتاح اقتصادي وانغلاق سياسي - انفتاح على الفساد وانغلاق على الثقافة. بعد 25 سنة تجد الجزائر نفسها في وضع عبثي: كثرة الأحزاب وأحادية الحكم - وتغول السلطة وغياب السياسة - وفرة المال واستفعال الفقر - الفساد أصبح ثقافة سائدة. بعد ربع قرن ها هي الدولة على شفير الهاوية والسلطة تنفق بدون قانون مالية وسترحل كل نفقاتها للسنة المقبلة. قانون المالية القادم سيضفي الشرعية على كل النفقات غير الشرعية حاليا. السلطة تلعب وحدها في الساحة بعد تغييب كل القوى الحية وإغلاق كل منابر التعبير وتضييق الخناق على الممارسة السياسية وخلف فراغ يتم ملؤه بفراغ أكبر. ربع قرن من الإصلاحات الفوقية: 10 نتائج عكسية بعد 25 سنة من أحداث أكتوبر 1988 وما تبعها من "إصلاحات" يمكننا أن نلخص النتائج في ما يلي: - 1)) نظام سياسي من بقايا الحرب الباردة يقود الجزائر في مطلع القرن الحادي والعشرين في حين استفحلت الحروب الساخنة على الحدود. - 2)) إنتقلت الجزائر من نظام فاسد إلى نظام يقوم على قاعدة الفساد: كل إصلاح يولد جيلا جديدا من الفساد. - 3)) ثقافة سياسية تعتبر ممارسة السياسة وسيلة للحصول على المال. - 4)) نظام اقتصادي يقوم على الريع (المال الفاسد = المسروق أو المقترض بشروط فاسدة) لإفساد الاقتصاد القائم على الإنتاج (بدلا من أن يكون منصب العمل موقعا للإنتاج أصبح موقعا لتلقي حصة الريع). - 5)) تحقيق التوازنات الاقتصادية والمالية الكبرى وتفاقم الاختلالات البنيوية في المجتمع. - 6)) الانفتاح الاقتصادي (زيادة الواردات من كل السلع بما فيها القيم الدينية والفكرية) والانغلاق السياسي (ضياع الثقافة الثورية الوطنية واختراقها من طرف ثقافة التمرد على السلطة) والتصحر الثقافي (طرد الثقافة من الفضاء العمومية الذي احتلته مظاهر الدروشة) والتفكك الاجتماعي (عودة الانتماءات القبلية والولاءات التحتية). - 7)) تصدع الفضاء الثقافي الوطني: تراجع دور الدولة والمؤسسات الرسمية من الفضاءات الثقافية وبروز جماعات المصالح المسلحة بالإيديولوجيا والمدججة بالقوانين، هكذا حلت الجماعات (المهيكلة أو غير المهيكلة) محل مؤسسات الدولة: جماعة من الدراويش تتحرك باسم الحداثة - جماعة من الأميين والجهلة تنشط باسم الدين - جماعة باسم العلم تقود المعرفة نحو ترسيم الجهل - جماعة باسم التعليم تقود التعليم نحو نوع من التعليب وتنميط طرق التفكير والسلوك - جماعة باسم الفن تعمل على تعميم سرقة حقوق المبدعين - جماعة باسم الانفتاح تعمل على ربط الثقافة الجزائرية بغير مجتمعها -إلخ... - 8)) سياسة ثقافية في يد البيروقراطيين ومن والاهم تخدم الطراباندو الثقافي مع تغييب قسري للمثقفين ودحر كل إمكانيات التنظيم أو التحرك. - 9)) سيادة قيم السوق بحيث أصبحت معيارا لكل الأسواق: السياسة والثقافة والدين والجامعة والمؤسسة والأسرة. - 10)) سقوط فكرة الإصلاح: تلك هي أخطر نتيجة في اعتقادي. فالإصلاح أو التغيير أو الثورة كلها أصبحت الآن من الماضي. هناك جيل جديد بمطامح جديدة. على الذين احتلوا مقدمة المسرح في الجزائر طيلة ربع قرن أن يفهموا ذلك ويستنتجوا ما ينبغي استنتاجه. كل من موقعه. بعد ربع قرن أعيد ما قلته في تجمع اتحاد الكتاب بقاعة الموقار: "لا أومن بديمقراطية تأتي متبرجة على ظهر دبابة".