يدافع منظرو الماضي عن جهود بناء استبداد جديد في صيغة عصرية عن طرمن منظريق توظيف خاطئ لمسلمات على شاكلة ضرورة "الحفاظ على الدولة" وضرورة احترام "هيبة الدولة". ويبرر البعض ذلك الماضي، الذي تثور عليه جموع الشعب المصري منذ 25 يناير 2011، الانتهاكات المستمرة لأبسط حقوق الإنسان كالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية على يد أجهزة الدولة. ما يدافع عنه منظرو الماضي في جوهره هو استمرار ظلم نخبة القاهرة لبقية سكان مصر. وتسيطر نخبة العاصمة على قمة الجهاز البيروقراطي للدولة المصرية، وهي فعليا تحكم مصر عن طريق مساندتها غير المحدودة لأنظمة الحكم الاستبدادية التي شهدتها مصر منذ تأسيس جمهورية 1952. نخبة القاهرة تلك تسكن أحياء معدودة في العاصمة تمتلك معظم أراضي مصر من غرب الإسكندرية وحتى الحدود الليبية، أو ما يعرف بالساحل الشمالي، وهي النخبة نفسها التي تمتلك الأراضي والمنتجعات على شواطئ البحر الأحمر، وهي النخبة نفسها التي تسيطر على منطقة تونس على ضفاف بحيرة قارون في محافظة الفيوم الفقيرة. تستطيع نخبة القاهرة بنفوذها وفسادها أن تمد خطوط المياه الصالحة للشرب وخطوط الكهرباء وشبكات الصرف الصحي لمنتجعاتهم التي يزورونها عدة مرات سنويا، في الوقت الذي يتجاهلون فيه بقاء عدة ملايين من المصريين بلا مياه صالحة للشرب ولا كهرباء ولا صرف صحي في قراهم ونجوعهم. نخبة القاهرة ليست نخبة ثقافية أو فكرية بمعايير النخب المقارنة، بل نخبة طفيلية استهلاكية، لم تكن لديها نية ولا مقدرة على قيادة المجتمع كله للأمام. وتثير علاقة نخبة القاهرة بالغرب الكثير من الاشمئزاز والشفقة معا، ومن المخزي أن نخبة القاهرة لا تشبه النخب الأوروبية أو الأمريكية في شيء، ينظرون للغرب بانبهار ويقدسون نمط حياتهم وفنونهم وتكنولوجيتهم، إلا أن نخبة القاهرة تختار تجاهل القيم المجتمعية التي أدت لقوة وتطور الغرب مثل المساواة والحرية واللا مركزية. ورغم أن الاتجاه الحتمي في تطور إدارة الدولة الحديثة يتجه نحو الحد من المركزية والتوسع في تطبيق اللا مركزية، حيث يقتصر دور حكومة العاصمة في هذه الحالة على الشؤون السيادية مثل الدفاع والسياسة الخارجية وإدارة الاقتصاد القومي. نجد نخبة القاهرة تتمسك بضرورة إحكام سيطرتها المباشرة على بقية شؤون مصر، حيث تصبح الدولة المركزية أداتهم للهيمنة، وتصبح العاصمة هي المتحكمة في مصير محافظات مصر. وقطعا ترفض نخبة القاهرة أي أفكار جريئة تطالب بنقل العاصمة لإحدى مدن الصعيد. تكره هذه النخبة كل ما يتعلق باللا مركزية التي تمثل صفة إيجابية بالضرورة بحكم طبيعتها، فهي تعكس عدم تركيز السلطة وتوزيعها بين المستويات الإدارية والجغرافية المختلفة على مستوى الدولة بعيدا عن دائرة القاهرة الضيقة. نقلا عن الشروق المصرية