(الأرض) وثيقة الصلة بالإنسان، فمنها خُلق، وعليها يحيا، ومنها يُبعث يوم القيامة. وقد اختارها سبحانه - من بين الكواكب العديدة والمديدة التي بثها في هذا الكون - ليعيش عليها الإنسان، ويبتلي الله عليها عباده من أحسن عملاً، ومن أضل سبيلاً. ولفظ (الأرض) من حيث الدلالة اللغوية، يفيد ثلاثة أصول: الأول: كل شيء يسفل، ويقابل السماء، يقال لأعلى الفرس: سماء، ولقوائمه: أرض. الثاني: الزكمة، يقال: رجل مأروض، أي: مزكوم. الثالث: الرعدة، يقال: بفلان أَرَضٌ، أي: رعدة. ومما ألحق بهذه الأصول قولهم: أرض أريضة: حسنة النبات، زكية معجبة للعين. والأُِرضة، بكسر الهمزة وضمها: الكلأ الكثير. وأرضت الأرض: كثر كلؤها. والتأريض: تشذيب الكلام، وتهذيبه، والتثقيل، والإصلاح. ورجل أريض للخير، أي، خليق له، شبه بالأرض الأريضة. وجاء فلان يتأرض لي، مثل يتعرض لي. ويقال: فلان ابن أرض: إذا كان غريباً. والأَرَضة: دويبة بيضاء تشبه النملة. ولفظ (الأرض) يجمع على (أرضون)، و(أرضات)، و(أروض). ولم يأت في القرآن الكريم بصيغة الجمع، بل جاء في جميع مواضعه مفرداً، قالوا: لثقل وزنه والنطق به، بخلاف لفظ (السماوات). ولفظ (الأرض) في القرآن الكريم ورد في ثمانية وخمسين وأربع مائة موضع، جاء في جميع تلك المواضع بصيغة الاسم، نحو قوله تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة} (البقرة:30)، وجاء في كثير من مواضعه مقروناً مع لفظ (السماوات)، نحو قوله تعالى: {إني أعلم غيب السماوات والأرض} (البقرة:33). وقد ورد لفظ (الأرض) في القرآن الكريم على عدة معان، منها: (الأرض) بمعنى (الجنة)، من ذلك قوله سبحانه: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} (الأنبياء:105)، روى الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما، قوله: {أن الأرض يرثها عبادي الصالحون}، قال: أرض الجنة. ونحو ذلك قوله تعالى: {وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض} (الزمر:74)، روى الطبري عن قتادة وغيره، قوله: {وأورثنا الأرض}، قال: أرض الجنة. (الأرض) بمعنى أرض (مكة)، من ذلك قوله سبحانه: {قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض} (النساء:97)، قال البغوي: يعني أرض مكة. ونحو ذلك قوله تعالى: {وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها} (الإسراء:76)، المراد ب (الأرض) هنا مكة على أصح الأقوال، وقيل: المدينة. (الأرض) بمعنى أرض (المدينة)، من ذلك قوله سبحانه: {قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} (النساء:97)، قال القرطبي: المراد ب (الأرض) في الآية: المدينة. ونحو ذلك قوله تعالى: {إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون} (العنكبوت:56)، قال مجاهد: إن أرضي المدينة واسعة، فهاجروا، وجاهدوا فيها. (الأرض) بمعنى أرض (الشام)، من ذلك قوله سبحانه: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها} (الأعراف:137)، قال قتادة والحسن البصري: هي أرض الشام. ومن هذا القبيل، قوله عز وجل: {ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين} (الأنبياء:71)، قال الطبري: هي أرض الشام، فارق صلوات الله عليه قومه ودينهم، وهاجر إلى الشام. (الأرض) بمعنى أرض (مصر)، من ذلك قوله سبحانه: {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده} (الأعراف:128)، قال القرطبي: أطمعهم في أن يورثهم الله أرض مصر. وعلى هذا المعنى قوله تعالى: {قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم} (يوسف:55)، قال سعيد بن منصور: سمعت مالك بن أنس رضي الله عنه، يقول: مصر خزانة الأرض. وثمة العديد من الآيات التي ورد فيها لفظ (الأرض) مرادٌ منه أرض مصر. (الأرض) بمعنى (الأرضين السبع)، من ذلك قوله سبحانه: {الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض} (سبأ:1)، قال الطبري: الحمد التام كله للمعبود الذي هو مالك جميع ما في السماوات السبع وما في الأرضين السبع. ونحو ذلك قوله عز وجل: {الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن} (الطلاق:12). ولفظ (الأرض) بحسب هذا المعنى كثير في القرآن. وورد لفظ (الأرض) في القرآن الكريم بمعان أخر، أغلبها مستفاد من السياق، كقوله تعالى: {فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض} (المائدة:26)، فالمراد هنا أرض التيه، التي تاه فيها بنو إسرائيل. ونحو ذلك قوله تعالى: {وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها} (الأحزاب:27)، والمراد ب (الأرض) هنا ما فتحه الله على المسلمين من أراضي فارس والروم وغيرهما.