أثار الفيلم البريطاني "روح 45" لمخرجه كاين لونش، إشكالية التحولات الاجتماعية والسياسية لبريطانيا عقب الحرب العالمية الثانية، والتغيرات التي أحدثها حزب العمال لصالح الطبقة الكادحة، التي سرعان ما رأت أحلامها تتبخر بوصول المرأة الحديدية تاتشرز. العمل عرض بالعاصمة في إطار أيام الفيلم الملتزم. تابع جمهور قاعة الموقار، ظهيرة الثلاثاء المنصرم، مجريات آخر ما أنتجه البريطاني كاين لونش، فيلم حديث الإنتاج في ماي 2013، دخل المنافسة الرسمية في إطار مهرجان الجزائر للسينما والفيلم الملتزم. كان العرض فرصة للتعرف على مزاج لونش، مخرج لم يغير فيه السن كثيرا، في 77 عاما من عمره، ما زال حيويا نشيطا، ومناضلا متمسكا بمبادئه السياسية، بل يعلنها بقوة في فيلمه الوثائقي "روح 45"، بحيث يلقي نظرة نقدية على مسار دولة عظمى، وشعب خرج من الحرب العالمية الثانية بكثير من الأمل في تغيير واقعهم إلى الأفضل. يعود لونش إلى فوز حزب العمال الاشتراكي البريطاني، عقب حرب 1945، ويروي حكاية سياسة إطلاق العنان لطموحات اجتماعية بهدف تغيير المشهد العام للبلد. وقد تغير فعلا المشهد، وبذكاء رسم لنا منحنى بيانيا عبر صور أرشيفية ووثائق تبين بوضوح كيف كان المجتمع البريطاني وماذا أصبح في الوقت الراهن. مزيج فريد بين الماضي والحاضر، وفق كاين في كتابة قصة شعب بالصوت والصورة، ولكن بالأبيض والأسود، لم يكن بحاجة إلى الألوان ليبين التطورات الحالية التي طرأت على المملكة العظمى. من فوز زعيم الحزب الاجتماعي كليمونت أتلي، ووصوله إلى سدة الحكم، وأتباعه الذين سيؤممون قطاع الصحة ومناجم الفحم، والسكك الحديدية. كانت الحياة مشبعة بالأمل، بنشاط لا مثيل له، برغبة في العيش بشكل مختلف عن ما قبل الحرب العالمية الثانية، الناس في الشارع سعداء، يحتفلون بالنصر، يخططون لغد تسوده العدالة الاجتماعية، ويودعون الفقر إلى الأبد؟ ! شهادات مؤثرة، مشاعر جياشة ترسلها الشخصيات المصورة، عمال في المناجم، ممرضات، وغيرهم يرون حلمهم في الحصول على مسكن اجتماعي لائق، الا أن المخرج سريعا ما يدق ناقوس الخطر بوصول زمن مارغريت تاشير، "المرأة الحديدية" التي ستضرب بكل تلك الأحلام في جدار الصمت واللامبالاة. وبصراحة شديدة يقول إن هذه السيدة لم تكن فأل خير على أجيال كاملة من البريطانيين الذين تعشموا خيرا في حزب العمال. وبالصور أيضا يحكي نجاح حزب المحافظين في انتخابات عام 1979، وتولي مارجريت تاتشر رئاسة مجلس الوزراء، والانقلاب شامل الذي قامت به طوال فترة حكمها التى استمرت حتى عام 1990، وذلك عندما "خصخصت" المؤسسات المؤممة بعد 1945. يخلص فيلم "روح 45" إلى نبذ العنف تجاه المواطنين الذين رأوا أحلامهم تنهار، ويذكر المشاهد اليوم، بالحركات المناهضة للسياسة التاشرية، على غرار مظاهرات سياتل وحركة "احتلوا وول ستريت"، ويدعو بصراحة شفافة إلى إعادة تلك الروح وتحقيقها.