حين سألتني الصديقة زهور شنوف عن آخر مرّة كتبت فيها رسالة بخط يدي، قدرتُ أن تكون خمسة عشر عاما على الأقل مرت على آخر رسالة "كلاسيكية" أرسلتها. الحقيقة أنني لم أبعث في حياتي بالكثير من الرسائل الورقية، باستثناء طلبات العمل والرسائل الإدارية - التي لا أذّكر أني حظيت يوما برد على إحداها -. كما لا زالت بعض الفواتير والاستدعاءات الثقيلة تصلني بين فينة وأخرى. ليس عندي، إذن، ما يكفي من الحنين لأبكي ذلك الزمن الجميل.. زمن موزّع البريد و«الكارت بوستال" والرسائل التي لا تعرف إن وصلت إلا بعد أسابيع أو أشهر، وأحيانا لا تعرف أبدا. المطلوب مني الآن أحمل ورقة وقلما وأكتب رسالة! (سأرقنها لاحقا لدواعي النشر!) لا أعرف ما هي المساحة المحدّدة لذلك، لكنّني سأكون أنانيًّا. لن أراسل شخصا واحدا فقط، بل مجموعة كاملة، لذلك سأحرص على أن أكون مختصرا، وسأقول كلاما أتصور ألا أحد غير المُرسل إليه سيطلع عليه. كلاما أعتذر فيه من أشخاص قصرت بحقهم. أمي: أتمنى أن تجدك رسالتي بصحة جيدة. لا أعرف كم شهرا مضى على آخر مرة زرت فيها البيت.. لكنني أعرف أن ذلك كان في عيد الأضحى الماضي. أكثر ما بات يزعجني هو أني فقدت سيطرتي على الوقت تماما. كأن العمر لم يعد يحسب باليوم والشهر ولا حتى بالسنة. هذا يجعلني أفكر في الوقت الذي قضيته بعيدا عنك، ويذكرني بأنه أكثر من نصف عمري غدا سأدخل عقدا جديدا منه، مرة أخرى سيمضي عيد ميلادي بعيدا عنك. حتى تلك الساعات التي أعود فيها إلى واد السبت تمضي دون أن أنجح في اقتناصها كما يجب. سامحيني يا أمي. توفيق، رضوان، محمد: سأتصوركم مجتمعين، في هذه اللحظة، أسفل مقهى "بن مهني" قبالة "القرقار".. أرسل لكم رسالة واحدة لأنني أعتبركم شخصا واحدا. كنتم دائما بالقدر ذاته من الطيبة والنبل والشهامة. قضينا معا أجمل أيام هذا العمر الذي تنسلُّ أيامه بين أصابعنا كحفنة ماء. أيام الثانوية، سنوات الجامعة وما بعدها. لكننا ابتعدنا في الفترة الأخيرة كما لم يحدث من قبل. لم أرك يا محمد منذ أكثر من سنة.. وأنت يا رضوان.. توفيق ابنتك رهف ربما أصبحت في عامها الثاني. كم أنا مقصر! سنلتقي قريبا جدا وسنجلس هناك.. أسفل مقهى "بن مهني" قبالة "القرقار"، وسنتحدث كثيرا. نجوى: حين افترقنا لم يكن ثمة هاتف ولا "فيسبوك"، لم نتبادل أرقامنا ولم يضف أحدنا الآخر على صفحات التواصل الاجتماعي. اليوم لا أعرف لك عنوانا أوجه إليك رسالتي هذه. سأقذف بها داخل زجاجة إلى يم على أمل أن تصلك، كما في الحكايا الرومنسية. نجوى، من بين مئات الأسماء والوجوه التي مرت علي ظل اسمك ووجهك محفوران بذاكرتي.. تذكرين؟ سنوات الجامعة كانت للإحباط والصدمة، لكنك كنت بجانبي دائما. كنت امرأة حقيقية.. أتمنى أن تكوني بخير. وهيبة: مساء الخير وهيبة.. مازلت في المدنية، غير بعيد عن ديار المحصول.. لكن مناسبات كثيرة مرة دون أن أزوركم، آخرها ختان فؤاد. كان علي أن آتي وأحمل معي الكثير من الهدايا لعل ذلك يعوض تقصيري.. للأمر علاقة بالوقت الذي بات خارج مجال سيطرتي تماما. مازلت أذّكر حين أحضرت لي في أول أيام عملي كراسة وقلما جديدين، كما الأطفال في أول أيام المدرسة. لن أنسى تلك اللحظة ما حييت. سلّمي على خالي سمير وخالي فريد. الجزائر في 30 ديسمبر 2013