التجمع الوطني الديمقراطي يثمن الانجازات الاقتصادية والاجتماعية للجزائر الجديدة    تجارة: إدراج تعديلات على نظام تعويض أسعار القهوة (الجريدة الرسمية)    وهران : افتتاح الطبعة الثانية لمعرض التجارة الإلكترونية و الخدمات عبر الانترنت    المغرب: احتجاجات تعم عدة مدن رفضا لمشاركة "وزيرة" صهيونية في مؤتمر دولي بالمملكة    دعوة الى جعل الثقافة جبهة حقيقية للمرافعة عن القضية الصحراوية    كرة القدم/رابطة 1 موبيليس (الجولة 17): نادي بارادو - مولودية الجزائر: "العميد" لتعميق الفارق في الصدارة    رئيس الجمهورية يدشن بتيبازة مصنع تحلية مياه البحر "فوكة 2"    نقل جوي: السيد سعيود يبرز الجهود المتواصلة لتعزيز أمن الطيران المدني    الحماية المدنية تنظم بولاية جانت مناورة في الأماكن الصحراوية الوعرة    جيبلي يعتزم التصدير    غياب المخزن مؤشّر على عزلته القارية    بوغالي يؤكّد ثبات مواقف الجزائر    بوغالي يستقبل بالقاهرة من قبل رئيس البرلمان العربي    عطاف يلتقي لافروف    صِدام جزائري في كأس الكاف    عرض النسخة الأولى من المرجع الوطني لحوكمة البيانات    العمل بمنحة السفر الجديدة.. قريباً    أمطار رعدية مرتقبة بعدة ولايات البلاد ابتداء من مساء اليوم السبت    تفكيك عصابة إجرامية حاولت بث الرعب بالأربعاء    وزير المجاهدين العيد ربيقة يشارك في تنصيب القائد الأعلى للجيش و القائد العام للشرطة بنيكاراغوا    هلاك 4 أشخاص وإصابة 228 آخرين في حوادث المرور خلال 24 ساعة    جائزة "الرائد سي لخضر" تحتضن توأمة تاريخية بين الزبربر وسي مصطفى    القضاء على إرهابي خطير بالمدية    لا مصلحة لنا في الاحتفاظ بالجثامين لدينا    تكييف عروض التكوين مع احتياجات سوق الشغل    الحقد الفرنسي أصبح يطال كل ما هو جزائري    بيتكوفيتش يحضّر لبوتسوانا والموزمبيق بأوراقه الرابحة    2025 سنة تسوية العقار الفلاحي بكل أنماطه    قرية حاسي مونير بتندوف... منطقة جذب سياحي بامتياز    الانتهاء من ترميم القصبة بحلول 2026    صحة: المجهودات التي تبذلها الدولة تسمح بتقليص الحالات التي يتم نقلها للعلاج بالخارج    أنشطة فنية وفكرية ومعارض بالعاصمة في فبراير احتفاء باليوم الوطني للقصبة    الدورة الافريقية المفتوحة للجيدو: سيطرة المنتخب الوطني للأواسط في اليوم الأول من المنافسة    تنظيم الطبعة ال21 لنهائي سباق سعاة البريد في اطار احياء اليوم الوطني للشهيد    ترسيم مهرجان "إيمدغاسن" السينمائي الدولي بباتنة بموجب قرار وزاري    تسخير مراكز للتكوين و التدريب لفائدة المواطنين المعنيين بموسم حج 2025    تدشين مصنع تحلية مياه البحر بوهران: الجزائر الجديدة التي ترفع التحديات في وقت قياسي    الرابطة الأولى: شباب بلوزداد يسقط في سطيف (1-0) و يهدر فرصة تولي صدارة الترتيب    غزّة تتصدّى لمؤامرة التهجير    فرنسا تغذّي الصراع في الصحراء الغربية    اختيار الجزائر كنقطة اتصال في مجال تسجيل المنتجات الصيدلانية على مستوى منطقة شمال إفريقيا    لقاء علمي مع خبراء من "اليونسكو" حول التراث الثقافي الجزائري العالمي    مبارتان للخضر في مارس    الرئيس تبون يهنيء ياسمينة خضرا    هذا زيف الديمقراطية الغربية..؟!    أدوار دبلوماسية وفرص استثمارية جديدة للجزائر دوليا    إثر فوزه بجائزة عالمية في مجال الرواية بإسبانيا رئيس الجمهورية.. يهنئ الكاتب "ياسمينة خضرا"    أيوب عبد اللاوي يمثل اليوم أمام لجنة الانضباط    70 دراجا على خط الانطلاق    احتفالات بألوان التنمية    "حنين".. جديد فيصل بركات    حج 2025: إطلاق عملية فتح الحسابات الإلكترونية على البوابة الجزائرية للحج وتطبيق ركب الحجيج    هكذا تدرّب نفسك على الصبر وكظم الغيظ وكف الأذى    الاستغفار أمر إلهي وأصل أسباب المغفرة    هكذا يمكنك استغلال ما تبقى من شعبان    سايحي يواصل مشاوراته..    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القل: مدينة الخيول والنساء!!
نشر في الجزائر نيوز يوم 20 - 01 - 2014


«... حبيبتي يا وردة البحر،
توهجي،
توهجي،
برائع المحاور والزهر،
وازرعي الطريق،
أعمدة الضياء والمطر،
وزغردي في عرائش الرياح والقمر.."
وأنت في الطريق إلى مدينة القل، تحتضنك السهول الخصبة، حيث الاخضرار النضر، يوسع للعين أن تسكن صهد العبق، وتعرش في حدائق الزعتر، وغابات الزيتون، وأجمات الدردار، وتكون شجرة البلوط بلونها الزيتي الباهت لوحة تشكل في مخيلتك منظرا خلبا، يصاحبك طوال الطريق، الذي يضيق و يزدحم كلما اقتربت من المدينة، حيث القرى الصغيرة، تنتشر على حوافه، تعطي للزائر بهجة غريبة، ومحببة، ومشوبة، يشعر إثرها: بهدوء، وسكينة، وغموض ممزوج بالدهشة، والقلق، والحيرة.
ترى الناس على جانبي الطريق يسيرون بتؤدة، ولامبالاة، كأن العالم لا يتحرك، يعيشون حياتهم بشكل عفوي، بسيط، لكنهم يحترقون من الداخل، يتألمون، ينزفون، لا يصرخون، لا يتذمرون إنهم كالأشجار تموت وهي واقفة.
وأنت تدخل المدينة، تشعر برهبة طقوسية خاصة، رهبة ممزوجة بالخشية، والتقوى، والحنين المنسرب في تلافيف الذاكرة، الممهورة بالدهشة، والخيبات، ومرارة الأيام الحزينة، وهزيم الأشواق الطافحة بالاجتراح والهوس، ذلك أن مدينة القل مفتوحة على احتمالات الفرح، والحزن، والتشظي، وحمحمات النساء الخيول اللائي يسكن ذاكرتي، ويحفرن محباتهن في قلبي، أحمل لهن: الود، والتذكر، والأحلام الشبقية المجنونة، وكرامات "سيدي عاشور"، وصياح البط البري في مجرى نهر "تالزة"، حيث يرقد الشهداء الأبرار، يتطلعون إلى البحر، و ازرقاقه اللامع، وأسراب النوارس وهي تزقو في فضاء شبه الجزيرة إنهم يحدقون في امتدادات الأفق المشوب بالرؤى، والخيالات المبهمة، وحفيف شجيرات القندول النابتة في أحراش المدينة وشعابها الصاعدة من ارتفاع الهضبات التي تحمي المدينة من صخب الريح، وصعود الموج في ساعات الخصب، والهيجان..
وتبقى مدينة القل صفحة من البلور الأزرق، تمارس عشقها الليلكي بجنون، وعبثية، ترميك بسهامها، تطوح بك في اخضرار الجزيرة، والربوة المطلة على عموم المدينة.
في الصباحات الندية، والفجر ينسل مدثرا بالأحلام، والرغبات المخبوءة في قواقع سحرية قديمة، يستيقظ "سيدي عاشور" باكرا، يهبط المدينة الغافية على عزف الموج، يرشها بالبخور، يرسل روحه الشجرية في الأنحاء الكلية، تمنح النساء: قوة الخيل، وصفاء البحر، وشبقية الجوز، وحنين أشجار البلوط، وهي تتسامى في الربوع البعيدة، وعلى أكمات الجبال المحيطة بالمدينة، ويهب الرجال الفحولة والذكورة، وصهد القلب، ثم يوزع أرزاقه، وغنائمه الأخرى على الفقراء، والدهماء الذين يجيئون من القرى، والمداشر المحيطة بالمدينة.
يكتب تاريخ المدينة المدمى، يرسم للحزن اتجاها، يخصب الأحراش، وأشجار البلوط، والنشم، والدردار المطوقة، للمدينة الغامضة، الغارقة في أشجانها، وطقوسها، وأحلامها السادرة.
من أعلى الجبل - الذي يكاد يحتوي المدينة -، يقف "سيدي عاشور" مجللا بالمهابة، والوقار، يحدق في مجالية الأفق، يرفع يديه، يوسع لبرنوسه الوبري الأزرق أن يشمل: المدينة، والناس، والبلدات القريبة.
للقل خصيصة خاصة كدمغة في سجل الأيام، وكر السنوات.. النساء فيه جميلات، بهيات، حوريات، مقصورات في الجنان، مكتنزات الأرداف، مهفهفات الأعطاف، لنهودهن توقيعات موزونة، تربك الصوفي، وتدهش "الوفي"، تلج به في خلوات الاستغراق الحالم.
تدرك - حقا - أنك في مدينة القل، عندما تملأ شاشة عينيك امرأة مديدة القامة كصفصافة في جزيرة معزولة، تحكي قصتها المترعة بالحزن، والأسى، وفجائعية الأيام الماضية صعدا في خريطة العمر الجميل.. تأكل ترابه، ولونه البديع، وترقش حزنه باتجاه الفجيعة والسقوط المعنى.
إيه يا أيتها القلية الوحيدة، المفردة إلا من: أحزانك، وانكساراتك، ونبوءاتك المغدورة، وأحلامك المجهضة، وتاريخك المنسي في سراديب المدينة البحرية.. أرفع يدي احتجاجا، أحرضك، لتخرجي إلى حرارة الشمس، ونسمة الهواء، وقدسية العراء، مارسي حريتك، وإنسانيتك، اصعدي الربوة، اعبري الهوة، ارفعي عقيرتك في فضاء البحر، وشساعة الأفق.. تيقني أنك الخيل التي لم تجد فارسها، والمرأة التي لم تهتد إلى بعلها.. ثوري على سكونية البحر، وسادة المدينة المحبطين، الملازمين لعاداتهم القميئة في دغل "عين أم لقصب" وأنت تحترقين في جحيم انتعاظك..!!
أنزل المدينة. اغمس ذاكرتي في خشاش البحر، أستوي على الربوة، يتوجني "سيدي عاشور" ملكا على نسائك الخيول.. لأطفالك الزغب، ورجالك النشامى، أنشد نشيد الفاكهة والريح..
«سيدي عاشور" أيها الجليل الواقف على قمة الجبل، المطل على بحر المدينة، وشساعة الأرض، انظر، انظر بعيدا، هناك في نهايات الأفق، انظر إلى أطفالك أكلتهم الغربة أتعبتهم المدن اللقيطة، إنهم يحترقون شوقا لمروجك وغدرانك، وغاباتك العامرة بالنساء الخيول، يحتطبن في الأحراش، والأجمات المطلة على البحر، بداخلهن تتململ الغلمة، وحر الدم المشظي كيف لا، وهن مجبولات بالعشق، والوله، والتذكارات الجميلة، في براريك الواسعة حد الأفق.. هاهن العطويات الأصيلات والتيفوتيات الجميلات، يزداد ألقهن، كشواظ النار المنبعثة من مشعل الآلهة وهي تطل من قمم الأولمب.. يكبرن، يكتنزن، يفضن بالعنفوان الأنثوي الشفيف، يحلمن، باتجاه المدينة، والقرى الأخرى، تشرئب أعناقهن الطويلات، تضج أجسادهن الممتلئة بالفرحة والهيام، والتطلع إلى جهات الوقت متدليا من أعالي مقام "سيدي عاشور"، محقق الأحلام، ومناط العشق والهيام.. في تحولات المدينة، وتاريخها الطقوسي يقام العرس يقبل الرجال الأبطال، يتمنطقون بالشاش الحريري، وعلى أكتافهم القوية، يتنكبون البنادق المعشقة أخمصها بصور الغزلان، والكلاب السلوقية تجمز في البراري، والغابات.. ها أنا ألمح الرجال، الرجال يطلقون الرصاص، وفي غابات شبه الجزيرة يسمع نواح، وأنين صوت يدمر خراب المدينة، يفضح ورعها المزيف.. ساعتها تكون الريح قد مرت في أزقة المدينة، وسوت أشياءها الخاصة، وفي متسع "القبية" تقام الوليمة الكبرى، حيث مذاق الكسكس المسقي بزيت الزيتون، وقصران اللحم، ونشيد الأزمنة الغابرة يرن في جنبات البلدة.. يعود البحارة في الغلس، هدير المجداف يداعب صفحة الماء، ونشيد البحارة يوشي فجر البلدة النائمة على طقسها الخاص، ساعتها يكون الحادي قد عدل وضع زرنته، وراح يوقع أناشيد البحارة، والرجال الذين عادوا بعروس البحر. يرقص الرجال والنساء، يشربون منقوع الزعتر، يرتفع اللغط، وتجيش الغلمة، يتخاصرون بحميمية عالية، وفي الأفق يزقو طير النورس، وجهته البراري، والآفاق الحبقية.
أيتها المدينة الطاعنة في طقوسيتها، وأشجانها.. أيتها المشحونة بعفوية "سيدي عاشور"، وورع "سيدي الوفي".. غوصي في جذور الرمل، وتعالي نريق الدم على الهضبة، وننثر حزننا على امتداد الساحل.. أيتها المدينة القاسية حرري نساءك الخيول، إنهن عطر دمي، وفتنته، وسر انتحاري المؤجل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.