مازالت قوامس العرب والعجم، تحتفظ بالتعريف التقليدي لكلمة الدبلوماسية واعتبار مفهوم أو مصطلح (دبلوماسية) بأنه مشتق من (دبلوم) الذي يعني تلك الوثيقة التي تمنح للمبعوثين الرسميين، لغرض اعتمادهم لدي سلطات البلد الموفدين أليه. من أجل إدارة المصالح المشتركة ورعاية العلاقات الخارجية بين الشعوب والدول التي يدخلها علماء الدراسات السياسية والقانونية في مقياس العلاقات الدولية. تلك الحركية السياسية وذلك العلم أو الفن، الذي يرجع تاريخه إلى العصور الأولى الملازمة لحياة الإنسان والحضارة البشرية، حيث ذكرتها الياذة (هوميروس) في قصة الهدنة السلمية بين المتحاربين والمتخاصمين مرورا بالعهود الفنيقية، الرومانية، النوميدية، الوندالية وعصر الفاتحين، وعهدهم الذي برزت فيه القواعد الأساسية للتعاملات الدبلوماسية والتي أكدتها السيرة النبوية العطرة بالنسبة للعرب والمسلمين، والمتمثلة في رسائل رسول الإسلام سيدنا محمد صلَ الله عليه وسلم، إلى هرقل الروم وكسرى فارس بداية القرن السادس (6) الميلادي، الذي شهدت فيه الحضارة العربية الإسلامية إستقرارا سياسيا ودبلوماسيا أفضي إلى عقد الإتفاقيات والمعاهدات المتعلقة بالسلم والصلح بين أصحاب الديانات الأخري من غير المسلمين (الحديبية مع قريش) التي تعد وثيقتها من أهم الوثائق التي تضمنت العناصر الأساسية للشروط والقواعد المتبعة في الديبلوماسية المعاصرة. ذلك التعريف التقليدي الذي بدا يفقد مدلوله التاريخي مع بداية الألفية الثالثة وما رافقها من تطور تكنولوجي، خاصة في مجال وسائل التواصل الإجتماعي (البريد الإلكتروني السكايب) أو الدبلوماسية الإلكترونية التي تجعل من السادة والقادة وأصحاب الحل والربط من الرؤساء والملوك والأمراء في غنا عن (الوسيط الدبلوماسي)، بحيث أصبح العمل الدبلوماسي الإلكتروني من أهم النشاطات التي تعتمد على العبقرية الفكرية والكفاءة العالية لتوظيف الكلمة والمفهوم والمصطلح الهادف بكل شفافية ووضوح على مرأى ومسمع المهتمين والمتخصصين. ذلك المجال الذي تدخل في إطاره إحدى أنماط الدبلوماسيات السياسية الحساسة، المعبر عنها بالدبلوماسية الدينية أو الدبلوماسية الروحية والتي ينحصر تعريفها العلمي في تلك التفاعلات والتواصلات الدورية المستمرة أو الموسمية بين الفاعلين السياسيين ومشايخ الطرق الصوفية، ذات الإنتشار الواسع والتأثير المتمكن في المريدين والأتباع والمحبين بالأمصار والأقطار الأجنبية المتشبعة بالمعرفة والمكانة العلمية والسلوكية، لشيخ الطريقة وما يصبوا إليه من تحقيق السعادة والكرامة والحرية التعبدية للمريد القدوة، من خلال التربية والترقية السلوكية المتزنة لحياته المادية والروحية. كما تعني كلمة الدبلوماسية الدينية أو الروحية، ذلك الدور السياسي الذي يجعل من الطريقة الصوفية سياقا استراتيجيا في العلاقات الدولية على مختلف المستويات الثقافية والمعرفية والعقائدية المذهبية، والحرص الدائم علي توظيف التربية والثقافة الصوفية في المجالات الدبلوماسية، إسلامية كانت أو مسيحية أو يهودية أو مجوسية أو ديانات أخرى. يرجع تاريخ الدبلوماسية الدينية أو الروحية، إلى العهد الإغريقي الذي تولي فيه الخطباء والمنادين (الأئمة والمؤذنين وفود السلام حملة الرايات البيضاء) الذين يتولون الوظيفة الدينية تحت حماية الإله (هرمس) الذي يمثل الحيلة والسحر والخداع والوساطة بين العالمين (العلوي والسفلي) بتسخيرهم كموفدين دبلوماسيين وتكليفهم بحمل رسالة رغبة الملك أو الرئيس أو القائد في الحوار والتفاوض في القضايا السياسية الخاصة وذلك بعد التحضيرات والإجراءات التمهيدية التي يشرف عليها المفضلو ن من الخطباء والحكماء والفلاسفة (دبلوماسية الخطيب السامي)، وهي إحدى أنماط الدبلوماسيات الموازية التي سلكتها العديد من الدول المستقلة مع مطلع ستينات الألفية الثانية، التي تتوقف ممارستها على قوة تأثير الشخصية الفكرية العلمية أو الدينية الصوفية (شيخ الطريقة) وما لها من مكانة روحية وسمعة طيبة وأخلاق عالية، وسلوكات راقية تؤهلها للمساهمة على تذليل العقبات والمشكلات العالقة وجلب المصالح النافعة ودرء الأخطار والمفاسد الضارة الهالكة. تعد الجزائر، أكثر الدول ريادة ودراية بأهمية الدبلوماسية الدينية أو الروحية أو الموازية، ودورها في توطيد العلاقات الإنسانية والدولية في العالم بعد الفاتكان، لوعملت على استرجاع موروثها الثقافي الروحي المتمثل في استقطاب الطرق الصوفية ذات الأصول الجزائرية (التجانية، الرحمانية، العلاوية، السنوسية، فرع القادرية) وغيرها من الفروع والروافد المتولدة عن الطرق الصوفية النشيطة ذات الإنتماء والمرجعية الجزائرية، إلى جانب الأعداد الكبيرة من المرتبطين بالعهد والميثاق والورد من المريدين والأتباع بالقارات الكبرى (أفريقيا، أوروبا، آسيا) والمقدر عددهم بسبعمائة (700) مليون مريد (فقير) ومحب من أتباع الطرق الصوفية الجزائرية، إلى جانب عدد آخر من المهتمين من الأديان الأخرى (السماوية الإبراهيمية والوضعية الدارمية). ذلك الموروث الروحي الأصيل، الذي مازال في حاجة إلى تفعيل وحماية بل إلى استرجاع واستقطاب وربط بالهوية الوطنية والعمق التاريخي للموروث الروحي الجزائري، الذي تعود جذوره إلى عهد حفيد ماسيبيسا الملك النوميدي المزيلي القسنطيني يوغرطة (160ق م 104م)، الذي مازالت عظامه بمقابر روما الإيطالية، وصاحب الطريقة الصوفية العالمية أحمد التجاني (1737م1815) بفاس المغربية وإمام الدعوة الإصلاحية محمد بن علي السنوسي المستغنمي (1787م1859) بليبيا، والمجاهد المقاوم القادري المتصوف مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر (1808م1883) بدمشق السورية والذي نقلت رفاته بعد استرجاع السيادة والإستقلال إلى وطنه (1966م)، وغيرهم من أقطاب الفكر الصوفي السني من سادة السطوة العلمية والحكمة والجاه والبصيرة، الذين مازالت أضرحتهم مقامات للدعاء والترحم ومزارات للعديد من المؤمنين الروحيين من الأديان السماوية (الإبراهيمية والوضعية الدارمية) عربون عرفان لدور أقطاب الطرق الصوفية ذات الأصول الجزائرية، في تسوية النزاعات الطائفية والقومية والإجتماعية بالدول الإفريقية والمشرقية على غرار ما تقوم به الكنيسة البابوية الكاثوليكية بأوروبا الشرقية، والتي تدخل جميعها في إطار الدبلوماسية الدينية أو الروحية الموازية القائمة على التربية والثقافة الصوفية، خدمة للسلم والأمن والعدالة الإنسانية المعاصرة التي أسس لها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عام 1960. الجزائر أرض الشهداء والأولياء مازال التاريخ، يخبر ويدون من عصر إلى آخر، بأن المجتمع الجزائري ينتمي إلى امة دينية عقيدية روحية أكثر منها وثنية مادية، مما جعلها تتميز عن الأمم الأخرى بالعديد من الخصائص المتعلقة بالمعتقدات الروحية والطرق الصوفية والمذاهب الدينية القديمة، التي ماتزال بعض مظاهرها ومعابدها قائمة تشهد عليها (الدوناتية، الاغسطوسية، اليهودية، المسيحية، الإسلامية) وكلها عرفت فرق وحركات دينية وطرق صوفية تزعم أصحابها الفكر الإصلاحي والإجتهاد في العبادة والإقبال على طاعة الله بالقلب والهمة والرياضة والزهد، عن طريق العلم والمعرفة والكتابة والدراسة، حيث تعددت المؤلفات وتنوعت الأفكار، كان للتصوف فيها الفضل الأوفر إلى جانب العلوم الدينية والدنياوية، منذ عهد رسول الإسلام محمد صلَ الله عليه وسلم، وما لقنه من أوراد وأذكار وأدعية لأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب (الله . لا إله إلا الله) وما تواتر عن تابعيهم من الطريقتين الصوفيتين (البوبكرية. والعلوية) المجتمعتين في طريقة الإمام الجنيد السالك، وما توّلد عنهما من طرق صوفية جزائرية عريقة (الخلواتية الرحمانية. التجانية. العلاوية. السنوسية. القادرية الجزائرية. الهبرية البلقايدية الحديثة) وما انفرد عنهم من فروع علمية وإصلاحية وجهادية ودعوية وسياسية جزائرية ومغاربية (الجزولية العساوية. الشاذلية البداوية) والطريقة الصوفية المسيحية الإسلامية (النورانية الشاذلية) صاحبة البسط والقبض للشيخ القديس (يوحنا الصليبي الإسباني 1542م1591) وكل ما أبرزته قريحة عظماء الفكر الصوفي النقلي والعقلي بداية من الحارث بن أسعد بن عبد الله المحاسبي (170هج 243) صاحب النظرية الأخلاقية وسلوك تهذيب النفوس وتزكيتها إلى الحجة مجدد الدين ومؤسس المدرسة الأشعرية شيخ الطرق الصوفية أبو حامد الغزالي (1058م1111) مرورا ببومدين شعيب بن الحسن (بومدين التلمساني 1126م1198) ووقوفا عند محي الدين محمد بن علي بن عربي (1164م1240) وغيرهم من العلماء والصلحاء والشهداء، الذين احتضنت أجسادهم الطاهرة مقابر وأضرحة ومقامات ومزارات أرض الجزائر، حتي صارت تعرف ب(أرض الشهداء والأولياء )على غرار الحجاز وفلسطين (مهبط الوحي ومهد الأنبياء ومبعث الرسل). أولئك الصلحاء العباد الزهاد، الذين مازالت مقاماتهم المحصنة بالمدن والقرى والأرياف والأودية والجبال، مصادر تاريخية مثالية ومادية تدعم للأصالة والنسب والإنتماء، وزوايا مرجعية شعبية إجتماعية دينية وروحية تستقطب مختلف التفاعلات الفكرية والثقافية والسياسية للعائلة والقبيلة والعشيرة ومشايخها قادة الجهاد وسادة العلم وأقطاب الذكر والحقيقة والشريعة والطريقة والمقامات الصوفية. الذين جمعوا بين الفكر الروحي والعمل الإجتماعي والتربية والوعظ والإرشاد وتلقين الأوراد والأذكار، والتحكيميات في الخلافات والنزاعات بين الأفراد والجماعات، والتأطير الخدماتي والسياسي ومسايرة الأحداث والإستحقاقات، نظرا لمكانة روادها وما يحضون به من حرمة ومهابة علمية وروحية في الأوساط الشعبية ودوائر السلطة السياسية العليا، وصدقيتهم في التجنيد والتوعية والتأطير الجماهيري الذي عهدت عليه وجبلت الطرق الصوفية عبر المراحل التاريخية العريقة للدولة الجزائرية. ذالك الموروث الثقافي والفكري والمعرفي الديني والروحي، الذي تعرضت رسالته للتفكيك والتفتيت والتشويه والتزوير والإنتحال لصفة الغير بالنسب والإسم واللقب والطريقة. بالتطاول في إعلاء المقدم والشاوش والخادم وتفضيلهم في المحافل الرسمية والولائم الخاصة والمشورات الهامة طيلة مرحلة الخلافات والنزاعات بين مشايخ الطرق الصوفية الوطنية ومواقفهم من الفساد و الظلم والإبتزاز والإستعباد والإستبداد العثماني والإستعماري الفرنسي (1804م 1830 م1962 م) وسنوات التبني للنمط الإشتراكي المتعدد المفاهيم والنظريات الشرقية، الذي حد من نفوذ الزوايا والطرق الصوفية في ظل السيادة الوطنية والإستقلال (1962م1983) الفترة التاريخية التي ساعدت على المد (الخوانجي والسلفجي الوهابي) وبعض الطرق الصوفية الدخيلة على المجتمع الجزائري المستقل حديثا ( البهائية 1963م.الأحمدية 1971م. البرهانية معتمد ة1991 م. الأويسيةالمقصودية معتمدة 2006م. القادرية الكسنزانية) والحركات المسيحية اليهودية الليبيرالية المتطرفة المعروفة (بشهود يهوه الطائفة الإنجلية المتصهينة 1967م) وغيرها من الملل والمذاهب والنحل التي تمكن بعضها من الحصول على الإعتماد والدعم المالي ومواصلة النشاط الغريب في العديد من المناطق الجزائرية، تحت قوة القانون رقم 31.ا. 90 ذلك النشاط الديني السياسي المشبوه المتمادي في نشر فكر المذهب الطائفي وتسويق فتاوى الفتن والدجل داخل التجمعات الطلابية والمدارس الخاصة ومقرات زوايا الطايوان وصالونات بيوت فقهاء وشيوخ خريجي جامعات الجمعيات الأهلية والحوزات الشيعية المشرقية (1962م 1976)، المفضية إلى الخلافات العقائدية والصراعات المذهبية والنزاعات الأيديولوجية والإجتهاد في توظيف الدين للأغراض السياسية. الأمر الذي دفع بالهيئات السيادية، إلى الإهتمام بدراسة وتحليل الظاهرة وتسخير الوسائل المادية والعلمية لمعالجة أفكارها السلبية، بداية بتفعيل مخزون الموروث الثقافي الديني الجزائري الأصيل المتمثل في الطرق الصوفية التاريخية (التجانية.الرحمانية. العلاوية. السنوسية. القادرية. الهبرية البلقايدية. الجزولية العساوية) التي لم تفارق روحنيتها الفكرية وثقافتها الروحية، الخيرة من الوطنيين والسياسيين النافذين لمواجهة خطر المذاهب والأيديولوجيات الوافدة والحركات الدينية المسوقة لفتاوى التكفير والتطرف (الخوانجية. السلفجية الوهابية. الإنجيلية المتصهينة)، بحيث انطلقت الفكرة بعد دراسة ذلك المشهد الجنائزي المهيب لوفاة الشيخ (محمد الحبيب التيجاني 1918م 1983) الذي نقل جثمانه من دكار (السنغال) إلى الأغواط (الجزائر) على متن الطائرة الرئاسية الخاصة برئيس دولة السنغال، ليوارى التراب بمقبرة شيوخ التجانية (كوردان عين ماضي)، ذلك المحفل الجنائزي الذي حضرته أعداد غفيرة(ثلاثة آلاف) من المشيعين الأفارقة التيجانيين. دفع بالسادة والقادة أبناء سلسلة الأصول رضوان الله عليهم، بصيفة الإنتماء الرئيس (الشاذلي بن جديد 1929م 2012) والجنرال الدبلوماسي (العربي بلخير 1938م2010) والجنرال (لكحل عياط 1936م2006) بصيفة الوظيفة، الذين أولوا إهتماما كبيرا في إحياء وتفعيل المرجعية الشعبية وتثمين الموروث الفكري والثقافي الجزائري الأصيل. فكانت إنطلاقة الإعتبار والعرفان، من مقر زاوية الشيخ بلحول القادرية (الخيمة الكحلة) بواد الخير(مستغانم)، باعتبارها أقدم طريقة صوفية ظهرت قبل تواجد الحكم العثماني للجزائر (1518م1830) وبعد رباط مروان البوني الأندلسي العنابي(1048م). حيث كانت زاوية بلحول القادرية، منارة للعلم والقرآن والمقاومة والجهاد والتربية الصوفية والإعانة والصلح والإصلاح عبر مختلف الأزمان إلى أن تعرضت للحرق والدمار وقتل مشايخها ومجموعة من المجاهدين الشهداء في تلك المعركة المشهورة وذلك اليوم التاريخي المشهود عام (1961م)، تلك الزاوية التي أصبحت قبلة لكبار المسؤولين والسياسين ورجال المال والأعمال (1978م1992)، طيلة فترة حكم المغفور له الشاذلي بن جديد، الذي تربطه علاقة روحية صوفية ونسب بزاوية الشيخ بلحول القادرية (الحاج محمد.عبدالقادر. البشير) تلك الزاوية العلمية العتيقة التي تقاسمت سرها المكنون وذكرها المصون وسر إسم وردها فيما بين الكاف والنون مع الطريقة الصوفية العصرية الهبرية البلقايدية لمؤسسها صاحب الوقت والزمان الشيخ (محمد بن أحمد بن العربي 1911م1998)، والتي يدير رسالتها وإرث سره صاحب الإرادة الإيمانية الإبن البار الشيخ محمد عبد اللطيف بلقايد راعي الدروس المحمدية الرمضانية بزاوية سيدي معروف (وهران) التي لايتخلف عنها السادة والقادة ولا يتغيب عن محفلها الوجهاء والساسة ولا يتأخر عن موسمها كبار الموظفين (الوزراء . الولاة . أمناء الأحزاب) ولايفارق قصدها رجال المال والأعمال وأصحاب الأحوال من العباد الزهاد وطلاب المعرفة والإصلاح والإرشاد. زوايا العلم والقرآن وزوايا الطايوان ذلك الإهتمام المميز الذي أولتة السلطات العليا للزوايا والطرق الصوفية العريقة، ذات النفوذ الإجتماعي والثقافي والسياسي والدبلوماسي، بالعمل على تثمين دورها الريادي في العديد من المراحل الثورية والإنتفاضات الشعبية (1830م1962) باعتبارها خزانا للموروث الثقافي والديني والصوفي الجزائريو حيث رفع عنها الحظر المفروض والتآمر المفتعل المانع لنفوذها الروحي والشعبي (1963م 1989) بين زعماء التيار الإشتراكي الماركسي والإنجيلي المتصهين والإستشراقي التغريبي، وبين أئمة التيار الخوانجي والسلفجي الوهابي المتطرف، بداية بغلق مدارسها التعليمية وتأميم ممتلكاتها وإلغاء خدماتها والزج ببعض شيوخها في السجون، وتلفيق التهم بالتبعية المذهبية والرجعية الليبيرالية وإبعاد الإطارات العلمية والفكرية من أبناء واحفاد وخريجي الزوايا الوطنية عن مراكزها والنفوذ ردحا من الزمن، إلى أن طرأت الحادثة السياسية المتعلقة بالإستقطاب السياسي والتكتل الدولي والإقليمي (عدم الإنحياز. المؤتمر الإسلامي. المجموعة الإفريقية). هذه الأخيرة، التي احتمى زعماء حركاتها بسطوة مؤسس الدبلوماسية الروحية زمن قيادته لجبهة المالي عام (1960م) الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. والذي أشار على الرئيس الراحل هواري بومدين (1932م1978) عام (1967م) بأنه لايمكن احتواء القطبية الإفريقية إلا عن طريق الدبلوماسية الروحية المتمثلة في شيوخ الطرق الصوفية ذات الأصول الجزائرية (التجانية والسنوسية)، الحاضرة بقوة في العديد من البلدان الإفريقية والعربية والتي يوجد بين أباعها ومريدها عدد كبير من الشيوخ والسلاطين والعلماء والأعيان والقادة الكبار. إهتمام الدولة الكبير، بالزوايا والطرق الصوفية بالتفعيل ورد الإعتبار للمقدس الشعبي إجتماعيا وسياسيا، وتمكينها من التكفل بإحياء التراث الروحي وإثراء المنظومة الصوفية ؤترسيخ المرجعية الدينية الشعبية الصحيحة، إلا واجب تفرضه الأولويات الملازمة لحماية الهوية الروحية الوطنية، وتنشيط حركية المريدين والأتباع والمحبين المصطلح على تسميتهم ب(فقراء الطرق الصوفية)، ومن أجل الدفاع عن القيم الروحية والسيادية الوطنية والمكانة الدولية والإقليمية للرسالة الإنسانية والحضارية في سجل التاريخ. لقد باشرت زوايا الطرق الصوفية التاريخية العتيقة (الرحمانية.التجانية.القادرية.العلاوية.الجزولية العساوية.السنوسية.الهبرية البلقايدة) نشاطاتها، بناء على القانون 31 / 90 المؤرخ في 4. 12. 1990م الملغي والمعوض بالقانون رقم 06 / 12 المؤرخ في 12. 01. 2012م المتعلق بالجمعيات والذي يصنف الجمعيات الدينية في خانة المؤسسات الدينية ذات الطابع الخاص والذي بموجبهما أنعشت الطرق الصوفية العلمية العاملة (زوايا العلم والقرآن والذكروالإبتهال وإطعام إبن السبيل) والمحصورة في ثلاثمائة (300)مقر إجتماعي رئيسي لستة (6) طرق صوفية تاريخية عتيقة، يشرف على تأطيرها وتسييرها عشرين (20) شيخا من أهل السلسلة الثابتة والدوحة الشريفة والروضة العطرة ومرجعيات قيادية روحية بالعهد والميثاق والورد والتسليم لسبعمائة (700) مليون فقير ومريد ومحب داخل الوطن وخارجه. ذلك القانون (31 / 90) الذي دفع بالعديد من النجاشين إلي تأسيس جمعيات وتنظيمات صوفية شبه حزبية (الجمعية الوطنية للزوايا. رابطة الزوايا الرحمانية.الإتحاد الوطني للزوايا. المجلس الأعلى للزوايا. الرابطة الوطنية للزوايا .التنسيقية الوطنية للزوايا. المرصد الوطني للزوايا. المنظمة الوطنية للزوايا. اللجنة الوطنية للزوايا. الجمعية الجزائرية للزوايا. المجلس الأعلى للتصوف. المنتدى الوطني للتصوف. التجمع الجزائري للزوايا والطرق الصوفية ....) وغيرها من التنظيمات والجمعيات المماثلة التي تعرف ب(زوايا الطايوان)، التي تتقاسم خدماتها مع الحركات والأحزاب السياسية خاصةمع (حزب جبهة التحرير الوطني وجبهة القوى الاشتراكية والتجمع الوطني الديمقراطي) لغرض التمثيل الجمعوي الصوفي داخل المجالس (مجلس الأمة . المجلس الوطني الشعبي. المجلس الولائي . المجلس البلدي) وأخرى لايفارق نشاطها الديني والدعوي (الخوانجي والسلفجي الوهابي) عن ما كانت تسلكه السياسة الإستعمارية في الجزائر (1830م 1962 ) من حرق الأضرحة ونبش القبور وإذكاء الفتن بالمساجد ومحاربة الطرق الصوفية وإضعاف دورها الريادي والسيادي الوطني، السائرعلى منهاج الطريقتين الصوفيتين البوبكرية والعلوية ثم الخلوتية الرحمانية القادرية ورسالتهم التوحيدية الموحدة، الفكرية الروحية الخالدة.