مقدمة : تعتبر الزوايا في الجزائر من بين المنظمات الدينية الأولى والرئيسة , فهي تطبق وتدرس العلوم الإسلامية السنية ، وتتواجد داخل الذاكرة الاجتماعية من خلال وضعها الروحي ووزنها المادي المرتبط بوظائفها الفكرية ، و مهامها التربوية التكوينية والاجتماعية . وهي غالبا ما تكون مرتبطة بمدرسة، فهي أيضا تكون مؤسسة من طرف شيخ صوفي مشهور منذ قرون مضت، وعبر الزمن تم التكفل بالزوايا من طرف التلاميذ متبعين طرق شيوخهم , هؤلاء التلاميذ الذين استمروا في دينا ميتهم حسب ترقية الأفراد وتطور الأوساط سواء في الأرياف أو المدن . إن هذه الدراسة الموجزة هدفها هو تبسيط معنى هذا التراث مع وضع الآفاق المتعلقة بالبنية والتنظيم -1- الزاوية من جانب التراث : أ- البنية : إن الزاوية أو الركن هي وريثة الرباط القديم حيث ظهرت في القرآن ال 13 ميلادي ( القرن السابع من الهجرة ) . إن شيوخ الطرق الصوفية اتخذوا الزوايا كحل وسط بين الصرح المقدس للتوحيد الإبراهيمي ( نسبة لسيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام ) أي بين معبد اليهود وكنيسة المسيحيين . إن الإسلام بالنسبة لهم هو التذكير النهائي للحقائق الأبدية، التي جاء بها ودافع عنها كل الأنبياء عليهم السلام ، إن هذا المفهوم يُبعد الزاوية من كل بدعة حماسية في الروحانية الظالمة والمبهمة ، ومن كل طائفة علمية ضاربة في الجانب المادي المتأجج تحت رداء مستعار لفائض وتجاوز للإنسانية . ب- مهامها : إن شخصية الزاوية مدنية وتركيبتها التنظيمية من خط جيومتري يجعل لها سلما انضباطا يسمحان لها بالتطور ويعززان ويدعمان نشاطاتها من أجل حب البشرية ، والتربية الدينية وحتى السياسية وكذلك المراقبة وتوزيع المعلومات لكي تقوي من عناصر الزاوية . -2- التنظيم : أ- الوسائل : إن الزاوية مؤسسة على فكر حسن التصرف ، وهو واجب كل من ( المقدم ) أو الشيخ , وعن جانبها المؤسساتي، فالزاوية تترجم عن طريق التحكم في العمل كقوة فيزيائية موّلدة ومولّدة عن طريق وسائل ( خدمة سماوية ) والاستقلالية الاقتصادية التي تسمح للزاوية أن تلعب دورها بشكل كامل ، وأن تمارس عملها بكل ثقة وحرية . ب- الجانب المادي : تتكون الزاوية من كل البنايات الدينية وهي المساجد , المدارس القرآنية وبنايات أخرى خاصة بها , وتقوم الزاوية بإكمال الشعائر الدينية وفق المذهب السني المالكي والعقيدة الأشعرية , إلى جانب قيامها بالتكوين الإجباري للطلبة الشباب إذ تبدأ بتدريبهم وتدريسهم القرآن الكريم ويكون ذلك متبوعا بالدرجة الثانية بعلوم الدين والفقه و الحديث . إضافة ذلك تسعى الزاوية لتعليم الطلبة الأناشيد الدينية ،أو ما يسمى ب ( السماع ) عن طريق الحفظ والترديد الشفاهي والمخارج وحركات الوزن والإيقاع , كل هذا يأتي لتدعيم تكوينهم . ج - الجانب الروحي : يؤسس كل من الشيخ والمريد العنصر الحيوي لمعرفة الزاوية ، وذلك عن طريق البحث عن الحقيقة المطلقة من أجل بلوغ الهدف المنشود معتمدين على الحب الصادق والورع والتقوى ومخافة الله وخشيته وحضور ( الحضرة الواقعية ) . -3 – الخدمات التي تقدمها الزاوية : إن الزاوية كمجتمع عالم ، هي بنية تقوم بعمل تقليدي وهو المساعدة واستقبال المحتاجين وعابري السبيل , فهي تقدم خدمات جليلة على أساس مبدأين اثنين : - المبدأ الأول : ويعتمد على المنافسة والتنافس في أداء النشاطات الاجتماعية والتضامن ، ويكون ذلك من خلال الهبات والعطايا والمساهمات المختلفة ومن بين عناصرها : - أنه يجب على المريد أن يمنح ويسخر وقت فراغه إلى الأعمال الخيرية - ( التويزة ) وخدمة المجتمع . - بقاء المقدم كمرشد ومسؤول عن الخدمات بما فيها العمل على زرع الأمل . - على الزاوية إسعاف الناس وتغذيتهم ورعايتهم والسعي للبحث عن العمل للمجموعات المحتاجة إلى ذلك . - المبدأ الثاني : المساعدة الاجتماعية , وتشمل ثلاثة عناصر : أ – الجانب المادي : إن هذه المساعدات هي مؤمنة عن طريق رأس مال الزاوية والذي يكون مصدر الهبات والعطايا وما يسمى ب ( الزيارة ) إلى جانب مدا خيل الحبوس التي هي موجودة تحت وصايتها . ويقوم المقدم بواجبه وهو إعادة توزيع الأموال المحصل عليها , فعلى سبيل المثال تتكلف الزاوية بمن يعانون من مرض أو عند حالة الوفاة وحالات أخرى . ب - الجانب المعنوي : تتدخل الزاوية في فض النزاعات والصراعات الفردية والجماعية محاولة خلق جو من المصالحة على أساس ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية التي جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . ج – الجانب الروحي : يتمتع الشيخ الروحي بنظام خاص , فهو يتدخل عبر سماعة ونقاشه للآخرين معينا إياهم على تحقيق الثقة . وكنتيجة فإن الزاوية تلعب دورا هاما اجتماعيا تنظيميا من خلال كفاءتها على التعبئة , وتضمن وظيفة السلطة المعنوية الشرعية التي تتكفل بالمحافظة على الوحدة والسلم . 4 – الزاوية وآفاقها : في هذا الجانب هناك المعطيات القديمة وهي دائما عبارة عن حدث بيد أنها لم تستغل حول مضامينها التحتية للعمل المسطر للزوايا بخصوص مكوناتها البشرية وعلاقتها بالمجتمع والتي تستطيع فتح طرق جديدة من جانب الوقاية كل أشكال العنف الإرهابي تحت غطاء ديني وثقافي وما فيوي بيروقراطي وغيرها , وأيضا من جانب المصالحة مع الذات ومع الأخر والضرورية لكل سلام حقيقي ولكل تطور متوازن ودائم . إننا بحاجة إلى معطيات جديدة ودائمة والتي من أجلها نشأ اتحادنا وهو الاتحاد الوطني للزوايا الجزائرية ( UNZA ) والذي يقترح ويتكلف بتجميع ورص صفوف الزوايا من أجل تسطير الأفاق والمتابعة باهتمام للدور الأساسي للزاوية وعلاقتها بمحيط السكان وإعطاء الوجه الحقيقي للزوايا وإبعاد كل ما ألصق بها من شعوذة وخرافات. لكن الاصطدام الذي أثير عن طريق أثر الزاوية في سنوات الجمر التي عاشتها الجزائر والذي استمر حتى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، سمح للذين يسمون أنفسهم بأصحاب الحداثة والعصرنة وبأولئك الذين يطلق عليهم الإصلاحيين ( السلفيين ) سمح لهم بتصحيح مفهومهم الثنائي الملائم والقديم ( الزاوية – المجتمع ) , والتوجيه الجيد لمجال رؤيتهم من أجل ملاحظة العمل التربوي , الثقافي والتكويني والاجتماعي للزاوية أولا ثم الجانب المادي والروحي فيما بعد. 5- النتائج والخاتمة : إن التعلق بالمحافظة وتطوير تراثنا الاجتماعي والروحي ، في إطار النظرية المادية الجديدة وتكييفها مع العولمة , من حيث أن دور زوايانا هو تكوين الذاكرة الاجتماعية والتي هي التراث الاجتماعي والروحي يجب أن تكون في مستوى التحديات الجديدة ومسايرة للألفية الثالثة إذا أرادت أن تبقى موجودة . هذه المعاينة تخص مع الآسف كل الزوايا التي استطعنا دراستها طيلة هذه السنوات التحضيرية التي سبقت تأسيس الاتحاد الوطني للزوايا بالجزائر (UNZA) , فمنذ مدة ارتكز دور الشيوخ والمقدمون على العمل للتقليص من الأخطار التي تستهدف ضرب المبادئ الثقافية والقيم الروحية للإسلام في بعده العالمي . لقد تحركوا بوسائل جد مختلفة لإدماج وتثبيت تلاميذهم بالخصوص والمريدين بدرجة ثانية , هذا المفهوم الذي تم نشره طيلة عدة عقود يأتي اليوم على الإشباع ، حيث أن الدينامية الجديدة لإعادة الهيكلة يجب أن تدعم أولا على حصيلة الكفاءات , والتنظيم والهياكل التي تسمح بوضع وسائل جديدة لتجسيد المشروع الموحد والذي يتكفل به الاتحاد الوطني للزوايا الجزائرية معتمدا في ذلك و متطابقا مع تعليم القرآن الكريم الذي أوصى به سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) . وأخيرا فمن المؤكد أن هناك ضرورة إدماج الزوايا حول الرهان المشترك وعملها الخاص بها , ومما سبق يتبين جليا الدور الهام والفعال الذي تلعبه الزاوية ومنها يبرز الوجه الحقيقي لها بعيدا عن كل ما ينسب لها من إساءات وتحامل ، ( انتهت الترجمة ). وبما أنه من غير المعقول أن نعرج على موضوع الزوايا بدون التطرق إلى الطرق الصوفية التي لها ارتباط وثيق بها ، رأيت أنه من الضروري أن أضيف للموضوع المترجم لمحة عن الطرق الصوفية بالجزائر، من خلال إعطاء تعريف للطريقة كمفهوم وممارسة مع ذكر أهمها. - تعريف الطريقة : لقد أجمع الكثير من الباحثين والعلماء على تعريف الطريقة ، بأنها ذلك الأسلوب الذي يمارس به العبادة والتقرب إلى الله فيما يخص الدعاء والذكر، بشرط أن تكون مستمدة من الإسلام وأصوله الكبرى ( القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ) ومنها تأتي التسمية بالطريقة السنية وكل طريقة مخالفة لما سبق فهي بدعة . والطريقة الصوفية هي ممارسة الرياضات الروحية ، مثل الدعاء والذكر والإكثار من الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم راجيا من يمارسها السمو الروحي والصفاء النفسي والتقرب من المولى عز وجل واستغلال وقت فراغه في ذكر الله والصلاة على رسوله (صلى الله عليه وسلم) حيث تنسب كل طريقة إلى مؤسسها ، ويصل عددها في الجزائر إلى أكثر من عشر(10) طرق صوفية وهي الأكثر ممارسة عبر كامل التراب الجزائري نذكرها حسب الترتيب الزمني لنشأتها وليس على أساس التفضيل أو الأهمية وهي كما يلي: - الطريقة القادرية : نسبة إلى الشيخ عبد القادر الجيلالي الذي ولد في منطقة جيلان ( بلاد فارس ) سنة 470 ه ( 1077 م) , وهي منتشرة عبر كل أرجاء الوطن وخاصة الغرب والجنوب - الطريقة الشاذلية : نسبة إلى الشيخ أبي الحسن الشاذلي المولود بالمغرب الشقيق سنة 593ه ( 1198م) وهي متواجدة بالغرب الجزائري وجنوبه في الصحراء . -الطريقة العيساوية : مؤسسها هو أبو عبد الله بن عيسى المغربي المنشأ ولد خلال القرن التاسع هجري بالإضافة إلى ذلك هناك معطيات المتعلقة بالزوايا والتي تعتبر جديد حيث يرجع تاريخها إلى أكثر من خمسين (1467 م ) وتنتشر هذه الطريقة في كل من عين تيموشنت وضواحيها و أم البواقي . - الطريقة الشيخية : وهي أول طريقة تدخل إلى الجزائر ومؤسسها هو عبد القادر بن محمد المولود سنة 1544 م لها ارتباط بأولاد سيدي الشيخ وتنتشر في الجنوب الغربي والصحراء الوسطى - الطريقة الزيانية : مؤسسها الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن أبي زيان الإدريسي الحسني المولود بمنطقة تاغيت ( بشار ) سنة 1650 م وهي طريقة منتشرة بالجنوب الغربي على الخصوص - الطريقة الرحمانية : مؤسسها الشيخ محمد بن عبد الرحمن الذي يسمي اليوم ( بوقبرين) ولد حوالي سنة 1713 م بقبيلة آيت إسماعيل بقرية بوعلاوة بجبال جرجرة وتنتشر طريقته بكل بلاد زواوة ( القبائل ) ومنطقة الجلفة بشكل كبير وتوجد في مناطق طولقة والهامل والجنوب وبالتحديد الصحراء الوسطى والغرب. - الطريقة التيجانية : مؤسسها الشيخ أبو العباس أحمد بن المختار التيجاني بمنطقة عين ماضي بالقرب من الأغواط ولد سنة 1737 م تنتشر بمناطق الغرب وجنوبه والصحراء والشرق ولها إمدادات إلى إفريقيا الوسطى. - الطريقة الدرقاوية : تنسب هذه الطريقة إلى الشيخ محمد العربي بن أحمد الدرقاوي ، ولد حوالي 1738 م بالمغرب الشقيق وتنتشر طريقته في الغرب الجزائري ومناطق الونشريس . - الطريقة السنوسية : مؤسسها الشيخ محمد علي السنوسي المولود حوالي سنة 1787 م غرب مدينة مستغانم حيث تنتشر هذه الطريقة في الغرب خصوصا وفي الشرق عموما . - الطريقة الهبرية : أسسها الشيخ محمد الهبري المولود حوالي 1800 م بالمغرب الشقيق ، متواجدة بشكل كبير في تلمسان والغرب وكذلك الصحراء الوسطى . – الطريقة العلوية : أسسها الشيخ مصطفى العلاوي المولود بمنطقة مستغانم سنة 1869 م وهي طريقة موجودة بأغلب مناطق الوطن وخاصة مستغانم ، وحتى في الخارج. وفي الأخير، يتضح للقارئ الكريم الصورة الحقيقية للزوايا والطرق الصوفية ، بعيدا عن الشعوذة والخرافات ، وكل ما يحاول المشككين والمغرضين إلحاقه بهما، ولولا الزوايا وامتدادها عبر الزمن لما تم الحفاظ على الإسلام واللغة العربية، وهذا بشهادة أصحاب الديانات الأخرى، وما حصل عندنا من تفريط في الزوايا لدليل أخر ، فكان هناك فراغ روحي لدى الشباب خاصة ، كل ذلك عجل بالتشكيك واستيراد الفتوى والدخول في الدوامة التي عرفها الجميع لأكثر من عشرية .