جدد مسؤولو صالون باريس للكتاب موعدهم مع عشرات الناشرين والمثقفين والأدباء والآلاف من الزوار الذين تتراوح أعمارهم بين السابعة والسابعة والسبعين كما يقول النجم ميشال ساردو في أغنيته الشهيرة، وتتجاوزهم في أحيان أخرى بحضور مسنين يمشون بصعوبة بين أجنحة الصالون ويتناسون عجزهم البدني تحت وطأة فضول فكري يميز المجتمعات المتقدمة التي جعلت من الكتاب أحسن رفيق. دورة الصالون الرابعة والثلاثين التي انعقدت بين الواحد والرابع والعشرين من الشهر الجاري عرفت ظهر يوم الأحد تاريخ زيارة "الجزائر نيوز"- تحول أرضيته الشاسعة إلى حج فكري وأدبي فرض ازدحاما منقطع النظير لم يقلق أحدا من الزوار فحسب بل وزاد من صبرهم الأيوبي واستمامتهم الفولاذية وتلذذهم اللحظة التاريخية النادرة والاستثنائية قبل الوصول إلى مبدعين ليسوا بالضرورة روائيين أو مفكرين كما يمكن أن يتبادر إلى الأذهان. إنهم الأشخاص المكونون من روائيين بالدرجة الأولى سواء تعلق الأمر بالأرجنتنيين الذين حلوا ضيوفا على الفرنسيين مثلهم مثل زملائهم الصينيين (أنظر عدد الجزائر نيوز أمس) والأمريكيين اللاتينيين الذين غذوا مخيلاتهم لعقود وصنعوا سعادتهم بفضل الكتاب الحاضر دائما وأبدا في حياتهم اليومية رغم أنف الخائفين عليه في زمن الإنترنت والتكنولوجيات الحديثة المختلفة التي حضرت في الصالون جنبا إلى جنب مع الكتب التقليدية الخالدة تجسيدا لمسايرة ثقافية حتمية وتطور علمي طبيعي. من كامو الإبنة ودوغلاس الأميركي إلى جوسبان السياسي وتورام الرياضي وسيسيليا ساركوزي سابقا. وكما جرت العادة لم يحضر من الكتّاب إلا أولئك الذين أبدعوا في الرواية والبحث التاريخي والفلسفي والتحليل السياسي والاجتماعي وفي شتى أشكال المعرفة والعلوم ونالوا الجوائز الشهيرة ودخلوا الأكاديمية الفرنسية وأغنوا دور النشر، وتواجد أيضا بعض رجال السياسة والفنانين والرياضيين الاستثنائيين والطباخين العالميين والنساء العموميات الذكيات وغير الجميلات فقط الأمر الذي ضمن تنويعا مشهديا سوسيولوجيا وجماليا ضاعف من صفوف وطوابير قراء ومعجبين اضطروا للوقوف والجلوس ساعات في كثير من الأحيان حاملين كتب مؤلفيهم المفضلين للظفر بتوقيعاتهم مكتوبة بأحرف من نور. هذه الأجواء عاشتها "الجزائر نيوز" وهي تتجول عبر أرجاء الصالون منتقلة من جناح لآخر سعيا للتنويع من شهاداتها على تقاليد حضارية وإبداعية واجتماعية تتمازج في صور إنسانية وحميمية استثنائية ولصيقة بمجتمعات الإبداع والذكاء والعطاء الجماعي. الخيار كان صعبا جدا، وكان لابد من التنقل بسرعة بين أجنحة بلفو وغاليمار وغراسيه ولاديكوفرت وفايار وألبا ميشال وبلون وأكت سود إلى غيرها من دور النشر الشهيرة التي تتنافس سنويا في صالون باريس لتأكيد خصوصياتها وتفوقها فضلا عن أجنحة فكرية أضحت ساحات وأغورات حديثة ومنابر مشرعة على كل أشكال الحوار والنقاش بحضور كتاب ومبدعين معروفين وغير معروفين. الكاتب الأميركي دوغلاس كينيدي الأشهر في فرنسا بحكم إجادته لغة موليير وكاترين كامو ابنة الروائي الشهير ألبير وجان دورميسو وأميليه نوتومب وإريك أورسينا وعلاء الأسواني والطاهر بن جلون وإيمانويال شميث وأنا كافالدا وجان لوييه فورنييه وسورج شالندونووماري دارسيوك وغيوم موسو ووليام بويد وياسمينة خضرا وبيار لوماتر وآخرون كثر يصعب ذكرهم كلهم في هذا المقام كلهم صنعوا الفرجة الممتعة المنتظرة، وكلهم أسعدوا الشيوخ والكبار والشبان المراهقين والطلبة والمواطنين العاديين الذين وجدوا فيهم مصدر تجسيد لهواجسهم ونزعاتهم وشغفهم، وكلهم التقطوا الصور التذكارية مع معجبيهم في لحظات مسروقة من مناسبات لا تعوض بالنسبة للكثير. الروائيون لم يكونوا وحدهم سادة الموقف، ونافسهم السياسيون والفنانون والإعلاميون والمنشطون التلفزيونيون، ومن بينهم رئيس الوزراء السابق ليونال جوسبان الذي قرأ على طريقته شخصية نابليون في كتابه الرائج وارنو مونتبور وزير التصحيح الصناعي وسيغولين رويال التي يتنظر أن تعود إلى الحكومة بعد فترة عبور صحرواي إن جاز التعبير والممثل نيكولا بيدوس إبن غي الشهير المولود في الجزائر الذي كان حاضرا في معرض كتاب الجزائر وليليان تورام لاعب كرة القدم وصانع أمجاد الفريق الفرنسي لكرة القدم والمثقف المناضل ضد العنصرية وإيدوي بينال مؤسس موقع مديابارت الإلكتروني الذي يقض مضاجع السياسيين الفاسدين والنزهاء على حد سواء والجميلة الساحرة الكسندرا سوبليه وميشال دروكار آخر عمالقة الشاشة وسيسيليا أتياس الزوجة السابقة للرئيس السابق ساركوزي المهموم هذه الأيام بمطاردة قضائية غير مسبوقة وفردريك ميتران وزير الثقافة السابق والممثل لوران بافي وشخصيات فنية وإعلامية واجتماعية ومنوعاتية كثيرة آخرى. شخصيات فنية وتاريخية وفكرية أخرى استطاعت أن تسجل حضورها إلى جانب الحاملة لرمزية اجتماعية كبيرة مثل أوليفيه بيكاسو أحد أحفاد الرسام الأندلسي والمبدع بيكاسو ومازارين بانجو ابنة الرئيس الراحل ميتران ومن بينها المؤرخ الكبير بيار نورا رفيق النجمة التلفزيونية أن سانكلير رفيقة "دي أس كا" زير النساء الذي هز الإعلام العالمي بمغامرته الجنسية مع خادمة إفريقية في نيويورك والطبيب النفساني الشهير المتخصص في الأطفال ألدو نوري والفيلسوفين ميشال سير وأندري سبونفيل والأنتروبولوجي أيف كوبنس والمفكر السياسي الإيراني الأصل برترا بادي والمحلل الاجتماعي الشهير ألان توران والعالم هوبير ريفز وشخصيات فكرية أقل شهرة من المذكورة، وكلها حلت ضيوفا على جناح "معرفة ومعارف" الذي استقبل المفكر مالك شبل. الجزائري المتخصص في الفكر الإسلامي سلم مراسل "الجزائر نيوز" نسخة من مجلة نور التي يديرها وقدمها للجمهور باعتبارها همزة وصل بين الغرب والشرق، وزود شبل المراسل سبقا صحفيا مفاده تحضيره للموسوعة الإسلامية التي من المنتظر أن ينشرها قبل عامين على أكثر تقدير. الصالون الفرنسي الذي يعطي الأولوية للإبداع والقضاياالوطنية، استقبل الكتاب والباحثين المذكورين في إطار محور "الكتاب الذي غير حياتي"، وهو المحور الذي تابعه المعجبون الذين لم يتمكنوا من القبض على كتابهم المفضلين خلال فترات التوقيعات بسبب كثرة الإقبال، وفي هذا الإطار استمعوا لتجارب إريك أورسينا وميشال دروكير ووكرستين أنغو ودوغلاس كيندي وجان دورميسون والرسام فييلب جوليكو والكاتب ستيفان دوغروت وميشال بارنيي المحافظ الأوروبي والوزير السابق والذي حضرنا جانبا لمحاضرته حول أوروبا والكتاب. ساحة المؤلفين استقبلت بدورها عددا من الكتاب لمناقشة قضايا الأدب الصيني من خلال كتاب شنغهاي وعلاقة الأدب بالتحقيق الكبير وقضايا النشر الراهنة والترجمة والرقابة والرقابة الذاتية والجنس في أدب الشباب وكتاب الويب. الجزائر: نجمان اسمهما علي هارون وزهرة ظريف لم تكن الأرجنتين وحدها السيدة في الصالون إلى جانب مدينة شنغهاي ودول أمريكا اللاتنينية وروسيا، وحضر العالم العربي والإسلامي ولو بوجه شاحب مقارنة بالدول الأوروبية والأجنبية الأخرى مثل الدول الإسكندنافية منفردة، والمتمعن في نوعية وكمية الكتب التي عرضتها هذه الدول مقارنة بمعظم الدول العربية والإسلامية لا يمكنه إلا أن يعمق حزنه أكثر من أي وقت مضى. ورغم البون الشاسع بينها وبين كل الدول الأوروبية والأمريكية اللاتينية، كتب مسؤولو صالون باريس للكتاب معبرين عن سعادتهم بمشاركة قطر الجديدة وسلطنة عمان والعربية السعودية وهي الدول التي عززت حضور الخليج العربي كما جاء في الملف الصحفي فضلا عن ابتهاجهم بحضور أفغانستان من خلال دار عرفان للنشر التي تعد واحدة من أكبر دور النشر الأفغانية والمتواجدة في كابول وطهران وشاركت في صالون باريس بحوالي 60 دار نشر. الدول المغاربية حظيت هي الأخرى بتنويه سلطات الصالون التي مضت تقول إنها مثلت بأحسن وجه من خلال الجزائر والمغرب والعودة القوية لتونس بواسطة شراكتها مع المعهد الفرنسي لتونس. جناح الجزائر الذي قضينا فيه حوالي ثلاث ساعات مساء يوم الأحد مثلته 45 دار نشر نظريا استنادا لقائمة الدور التي عرضت على الجمهور جنبا إلى جنب الكتب، وهي القائمة التي أكد تواجدها السيد محمد إيقرت ممثل المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية الممثلة لوزارة الثقافة والذي أجرينا معه حوارا سننشره غدا خارج التغطية الشاملة من باب إبراز ملاحظاتنا الإيجابية والسلبية عن المشاركة الجزائرية. ظاهريا، كان الإقبال كبيرا على الجناح الجزائري أثناء تواجدنا وكما قال لنا السيد إيقرت فقد تشكل الجمهور من النساء والمسنين من الرجال الباحثين عن كتب التاريخ الجزائري والرواية والتراث والذاكرة في المقام الأول، كما تميز بغياب الشباب عكس ما لا حظناه في الأجنحة الفرنسية. المتجول عبر الجناح الجزائري والمتمعن مطولا في العناوين التي عرضت بهدف الوقوف عند مدى تمثيلها للمشهد الفكري والأدبي واللغوي في الجزائر يكتشف بسرعة الخلل الواضح بين عدد الدور المشاركة نظريا والأسماء الإبداعية المعروفة وغير المعروفة في الجزائر، وكثيرة هي الأسماء التي لم نجد لها أثرا مثل واسيني وبوجدرة ووطار والزاوي ودودو وسعد الله وركيبي وشريط وقداش وآخرين كثر عرفوا بعطائهم الفكري والأدبي، وبحسب ممثل الوزراة المعنية فإن الكلمة الأخيرة ترجع لدور النشر الحرة في اختياراتها الأمر الذي استغربناه وطرحناه في حديثنا مع محمد إيقرت. وقفنا عند كتب هامة في السياسة والتاريخ والفنون والتراث والطبخ والأدب وخاصة الطبخ وما أدراك ما الطبخ ومعظم هذه الكتب كانت باللغة الفرنسية بحكم طبيعة الجمهور الثقافية والمكان على حد تعبير إيقرت الأمر الثاني الذي استغربناه إذا عرفنا أن الترجمة الغائبة في الجزائر ستؤخر التعريف بالمبدعين الجزائريين الذين يكتبون باللغة العربية والمتفوقين كثيرا على زملائهم المفرنسين. كتب سمير قاسمي والحبيب السائح ومبدعين آخرين كانت غائبة في باريس باسم لغة الزماغرة الطاغية والمزعومة قبل العهدة الرابعة للرئيس الحالي وستبقى كذلك في عهدات رؤوساء الجزائر اللاحقين في ظل استمرار غياب سياسة ثقافية حقيقية تجعل من اللغة مسألة سيادية في كل الحالات كما علمنا إيرفيه بورج صاحب كتاب "معذرة فرنسيتي ...اللغة الفرنسية ورهان القرن الواحد والعشرين"(طالع نسمة ثقافية الأخيرة). علي هارون الذي وقع كتابه الجديد "المتراس: تعليق الانتخابات لتشريعية لجانفي 92 في مواجهة الرعب الجهادي" والمجاهدة زهرة ظريف صاحبة كتاب "ذاكرة مجاهدة جيش التحريرالوطني" صنعا الحدث ظهر زيارتنا الجناج الجزائري بتسببهما في إقبال نوعي لم يتطلب وقوفا في طوابير أو جلوسا على الأرض لكنه أحدث نقلة نوعية في الجناح الجائري بالمعايير العربية.