تكمن أهمية الكتاب الصادر مؤخرا لدى منشورات الشهاب، بعنوان "منجميو الصحراء، القنادسة 1913-1962"، في مبادرة المؤلف فريد لعراب، في تسليط الضوء على المخاطر الإيكولوجية التي تهدد منطقة القنادسة التراثية، ويروي في عمله جانبا مهما من تاريخ مناجم تلك الأرض التي ما تزال ظاهرة للعيان بجبال سوداء تتحدى الزمن. اعتمد فريد لعراب في صياغة مؤلفه، على جملة من الوثائق والشهادات التي استقاها من رحلته إلى ولاية بشار، وبالضبط من القنادسة التي زارها لأول مرة مستكشفا جمالها وسحرها وتراثها. وقد سجل خلال مروره هناك أنه إضافة إلى التضاريس المميزة للمنطقة، علمها وفنها وتراثها، يعيش الناس مع ذاكرة من نوع خاص، تتعلق بالمستعمر الفرنسي، الذي ترك وراءه سككا حديدية كانت في الماضي تقل ثروة القنادسة المنجمية إلى موانئ الغرب الجزائري لترحلها إلى فرنسا حيث الصناعة في أوجها هناك. اليوم إلى جانب الكثبان والجبال الصغيرة، جبال من لون مغاير، سوداء شامخة في وجه المقيمين بالقنادسة الأسطورية، وهو السواد الذي دفعه للبحث في مصدره وأسبابه وأثاره المستديمة على الحياة البيئية هناك. تبعد القنادسة عن مقر ولايتها بشار بحوالي عشرين كيلومترا، وترقد على ثروة باطنية هائلة ومناجم شكلت منذ الفترة الاستعمارية نشاطا صناعيا كثيفا لفرنسا. ما تزال آثار المناجم وسكة الحديد الرابطة بين القنادسة ووهران شاهدة على فترة زمنية فيها كثير من الحكايات والقصص لعمال جزائريين أنهكوا قوتهم في سبيل رفاه فرنسا. لهذا اقتفى لعراب آثار هؤلاء مستعينا بخبرته وتخصصه في علم المكتبات وعلوم التوثيق من جامعة الجزائر، لترتيب المعلومات المتحصل عليها. يقول الكاتب إن هذه الثروة، يمكن أن تساهم إلى جانب السياحة في إعادة إحيائها اقتصاديا وإنماء المنطقة كلها، حيث يشكل الفحم كنزا أسود قادرا على إعطاء ذلك المكان حياة أفضل يستحقها السكان هناك. إلا أن الكاتب يسجل المخاطر البيئية والصحية المؤثرة على صحة السكان، حيث ما تزال القنادسة تحتفظ بجبال هائلة سوداء، بقايا الفحم التي تؤثر في التنوع البيئي في المنطقة. جاء المؤلف في حجم متوسط من 194 صفحة، قسمها إلى فصول عدة تناسبت والتطور التاريخي للتواجد الاستعماري والاستغلال المنجمي هناك، وقد بدأ بمنطقة "إغلي" التي شهدت أولى عمليات التوسع الاستدماري، لتطال كل محيط بشار الذي كان يضم ساكنة تعتمد أساسا على زراعة البساتين وتربية بعض الماشية، وأيضا كانوا يتعاملون مع قوافل التجار، ما كان يخلق بين القبائل نزاعات وتوترات، غالبا ما كانت تخمد بعد تدخل زاوية الشيخ بن بوزيان القندسية، لتلعب دور التوازن بين الأطراف المتصارعة. يتطور بحث لعراب ليروي تكوين الثروة الفحمية منذ اكتشافها عام 1907، ويحكي كيف كانت بشار بلدة صغيرة ازدهرت نتيجة نشاط مناجمها وذلك حتى ظهور النفط واستيلائه على السوق. ويشير إلى عدم استغلال احتياطات الفحم الحجري المتواجدة بالمنطقة حاليا نظراً لارتفاع تكاليف النقل.