حميد زناز من مضحكات آخر السنة أن نقرأ ونسمع دعاة الدولة الأصولية في العالم العربي يتباكون على حقوق الإنسان المهدورة في سويسرا! بل ذهب البعض في هذيانهم إلى التهجم اللفظي الإرهابي على الشعب السويسري متهمين أهل أعرق الديمقراطيات بكبيرة الكبائر: رفض الأظلمة والأسلمة· لم يقترع السويسريون ضد حرية العقيدة كما يدعي أعداء الحداثة والحرية والعلمانية بل صوتوا من أجل إيقاف المد الإسلامي قبل أن يستفحل أمره· لقد أطلقوا صفارة إنذار شجاعة دفاعا عن تقاليد بلدهم الإنسانية وتنبيها للشعوب الأوروبية الأخرى التي باتت محاصرة بسرطان الأصولية الإسلامية الغاشمة· يتبجح الكثير من المتدكترين على شاشات القنوات الفضائية وصفحات الجرائد مرددين نكتة لم تعد تضحك أحدا مفادها أن الأوروبيين يعادون الإسلام لأنهم يجهلونه· من قال أنهم كذلك؟ ألم تتم أهم الدراسات حول الإسلام في الغرب؟ ألا ينبغي أن يُشكر الغربيون على نفضهم الغبار على كثير من أمهات كتب التراث الإسلامي تحقيقا وترجمة وتفكيكا؟ ومن قال أن الغربيين يعادون الإسلام؟ هل طلبوا يوما من المسلمين المقيمين في الغرب التخلي عن دينهم أو حرموهم من ممارسة شعائرهم؟ من المجنون الذي تزعجه الصلوات؟ ومن العاقل الذي لا يزعجه تحجيب فتيات قبل سن السابعة أحيانا؟ يحسن الغربيون القراءة جيدا ولا يحتاجون لمن يقدم لهم النسخة التي يريد من الإسلام، النسخة المؤمثلة· يعرفون الإسلام جيدا، فهو، كغيره من الأديان، نظرة عتيقة للإنسان والعالم باتت غير متلائمة مع روح الحداثة فلسفيا ومتناقضة مع القوانين الأوروبية عمليا· بدأ الغربيون ينتبهون شيئا فشيئا إلى ألاعيب الأسلمة والأظلمة إذ انتقل المسلمون في الغرب إلى المطالبة بتحكيم الشريعة في معاملاتهم بدل قانون البلد المضيف و هناك فعلا بعض أحياء في مدن غربية انفصلت تماما عن محيطها الثقافي العام و انعزلت ثقافيا، مكونة دولة داخل الدولة· لا يمل ولا يكل المسلمون في المطالبة بالانعزال عن محيطهم وجيرانهم خوفا من الذوبان في الإنسانية الواسعة· فلا مجال للحديث عن /اسلاموفوبيا/ وهمية· هناك فقط /حداثوفوبيا/ يعاني منها المسلمون حيثما وجدوا· فإن خاف الغربيون من الشريعة الإسلامية فهو خوف واع مشروع لأنها تهدد بإطفاء الأنوار الأوروبية والعودة بالإنسان إلى قرون الظلام· فمن لا يخاف من أحكام الشريعة فإما أن يكون لاواعيا أو مجنونا أوعدميا· كانت الأسلمة تسير على قدم وساق في غفلة من الأوروبيين ولكن سرعان ما استيقظوا مع /غزوة نيويورك/ وما تلاها· وهكذا كان الحال دائما : لكل دين الأصولية التي تفضحه ولكل دين الأصولية التي يستحق· فلا تنزل الأصوليات من السماء الأرفع· سؤال إلى كل المنتفضين ضد منع تشييد المآذن في سويسرا ديمقراطيا : لماذا ترفضون العولمة باسم المحافظة على خصوصياتكم وتنددون بمن يفعل نفس ما تفعلون؟ هامش: